أكثر من جميلة، وأكثر من رائعة زيارة الرجل الأول بالبحرين جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه لمدينة المحرق، فهي وسام شرف على صدور أهل المحرق الذين احتضنوا جلالته بالحب والولاء لجلالته.
لم تكن الزيارة عادية، بل تحمل دلالات ومعاني كثيرة، أكثرها وأجملها هي ما للمحرق من مكانة في خاطر وضمير القائد الأول، وما لجلالته من حب وتقدير وولاء عند أهل المحرق، هذه أهم وأكبر الدلالات لهذه الزيارة التي أسعدت المحرق وأهلها.
منعني عن حضور اللقاء عارض صحي، وكنت أتمنى أن أصافح جلالته بعد الدعوة الكريمة التي تلقيتها، إلا أن فرحتنا بزيارة الملك إلى أم المدن ومهد العمل الوطني الأول أنستنا كل شيء.
خلال لقاء جلالة الملك بأهالي المحرق العام الماضي قال لهم كلمة جميلة، وحققها هذا العام، فقد قال بما معناه: «انتو ما تجوني يا أهل المحرق، أنا اجيكم».
وقد حقق وعده هذا العام، فكان قد استقبل المحافظات كلها، لكنه ذهب إلى أهل المحرق واجتمع بهم في نادي المحرق، كل ذلك تقديراً ومحبة من جلالته للمحرق، ولما للمحرق من مكانة كبيرة في قلبه، وهذا الأمر واضح للجميع.
كما إنه جلالته كرم المحرق ونادي المحرق ورئيس نادي المحرق الشيخ أحمد بن علي آل خليفة (وهو أحد الرجال الذين نرفع بهم الرأس في المحرق) بأن وافق جلالته على الرئاسة الفخرية لنادي المحرق، وهذا شرف ما بعده شرف، وتقدير ما بعده تقدير، وما قول إلا (زادوا حسادكم يا أهل المحرق، ويا نادي المحرق)..!!
لم يفت على جلالته الإشارة والتأكيد في كلمة على شكر أهل المحرق لمواقفهم الوطنية الأصيلة، والتي محصتها المحن والأزمات، وظهر معدن أهل المحرق الأصيل في أحلك الظروف، فلم يتغيروا، ولم يتبدلوا، حتى حين مالت السفينة، بقوا على العهد وعلى البيعة وعلى الولاء.
بل إنهم من بعد الله كانوا أحد أسباب عودة السفينة إلى وضعها الطبيعي، بعد تكسير الأمواج، ودحر الرياح المسمومة، هكذا هم أهل المحرق وسوف يبقون بإذن الله جيلاً بعد آخر، يرضعون الحب والانتماء والولاء لهذه الأرض وللأسرة المالكة.
المحرق التي علمت الخائن معنى الخروج الوطني ومعنى دحر المستعمر، ومعنى أننا نطالب بحقوقنا، لكن الولاء باق وفي القلوب، ولا يتزحزح، المحرق صاحبة الخروج الوطني الأول، حين أراد المستعمر في بداية القرن الماضي أن يفرض القوانين الوضعية على الناس بما فيها معاملات الزواج، فوقف في وجهه أهل المحرق وأعلنوا انتفاضتهم الوطنية الأولى، بقيادة الشيخ عبدالوهاب الزياني، وأحمد بن لاحج البوفلاسة وغيرهما من رجالات المحرق، والتاريخ معروف ويعرفه أهل البحرين وأهل المحرق والخليج.
هنا كان الخروج الوطني الأول حين كان البعض لم يأت إلى البحرين بعد، ولم يعرف هذه الأرض بعد، (وما يعرف يفك الخط) وكان يعمل بالزراعة وغيرها.
من يريد أن يتعلم الدرس الوطني عليه أن يقرأ تاريخ المحرق، خروج على المستعمر وولاء للأسرة المالكة، هذه هي الوطنية الحقة التي لا يفهمها من خرج يريد الانقلاب، من قال (ارحلوا للزبارة) الفرق بين الانقلاب الإيراني العميل، والخروج الوطني الناصع.
هذه هي المحرق، وأبناء المحرق حتى بعد (تشتيتهم) وحتى وإن ذهبوا إلى مدن أخرى مجبرين لا مخيرين، بقى فيهم دم المحرق كما هو، لم يتبدلوا ولم يتغيروا، وزرعوا تلك المبادئ في الأبناء جيلاً بعد آخر، فعشاق المحرق موجودون في أنحاء المملكة، مدينة عيسى ومدينة حمد والرفاعين، وغيرها من المناطق.
قلب المحرق ووسط المحرق الذي يسكنه الآسيويون، حتى أصبحت الفرجان العريقة والتاريخية مهجورة بسبب الإهمال وضعف الخدمات، قلب المحرق يحتاج إلى مشاريع كبرى تنهض بالمدينة العريقة وبهوية المحرق ذاتها، وبأهل المحرق الذين خرجوا منها.
زيارة جلالة الملك حمد بن عيسى والاستقبال الشعبي الكبير يظهر كم في قلب كل من القائد الأول، وأهالي المحرق من حب متبادل عفوي غير مصطنع، هذه زيارة خير ومحبة، ونتمنى أن تتكرر في كل عام.