مثلما نهتم بتنظيف أجسامنا من الدهون العالقة بها نتيجة الحركة والتفاعلات الداخلية والإفرازات، ومثلما نغسل ثيابنا من الأوساخ اليومية الخارجية والداخلية، ومثلما ننظف بيوتنا من الغبار لكي نتبعد عن كل ما يضرنا، علينا أن ننظف قلوبنا التي هي الأخرى تتسخ بالأفكار السلبية والحقد والكراهية والحسد والتنافس من أجل أن نفوز على غيرنا بكل ما نريد.
تنظيف القلب هو الخطوة الأولى للذهاب إلى الرضى الداخلي والصفاء الروحي، والذي هو كما أراه دائماً، الغاية من الحياة في مجتمع يهتم أغلبه فقط بنفسه، دون أن يعرف أن العيش المشترك وإعمار الأرض بالخير، وهو الذي يدفعنا لأن تكون الحياة أجمل نعم الله التي خلقها لنا.
وأنا أتصفح في «وتساب»، قابلتني إحدى القصص القديمة الجميلة، والتي تقترب من ضرورة طرح موضوع نظافة القلب على الآخرين، ربما نستفيد جميعاً منها، تقول القصة...
طلب الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) من أهل حمص أن يكتبوا له أسماء الفقراء والمساكين بحمص ليعطيهم نصيبهم من بيت مال المسلمين، وعندما وردت الأ‌سماء للخليفة فوجئ بوجود اسم حاكم حمص «سعيد بن عامر» موجود بين أسماء الفقراء، وعندها تعجب الخليفة من أن يكون واليه على حمص من الفقراء.
سأل أهل حمص عن ذلك؛ فأجابوه أنه ينفق جميع راتبه على الفقراء والمساكين، ويقول: «ماذا أفعل؟! وقد أصبحت مسؤولاً عنهم أمام الله».
وعندما سألهم الخليفة: هل تعيبون شيئاً عليه؟
أجابوا: نعيب عليه ثلا‌ثاً: فهو لا‌ يخرج إلينا إلا وقت الضحى، ولا‌ نراه ليلاً‌ أبداً، ويحتجب علينا يوماً في الأسبوع.
وعندما سأل الخليفة سعيداً عن هذه العيوب أجابه: هذا حق يا أمير المؤمنين أما الأ‌سباب فهي؛ أما أني لا‌ أخرج إلا وقت الضّحى؛ لأ‌ني لا‌ أخرج إلا بعد أن أفرع من حاجة أهلي وخدمتهم، فأنا لا‌ خادم لي، وامرأتي مريضة. أما احتجابي عنهم ليلاً‌، لأني جعلت النهار لقضاء حوائجهم والليل جعلته لعبادة ربي، أما احتجابي يوماً في الأسبوع؛ فلأني أغسل فيه ثوبي وانتظره ليجف، لأني لا‌ أملك ثوباً غيره.
فبكى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.!
لنا أن نلاحظ هنا عدة أمور لها علاقة بموضوع نظافة القلب، أولها أن الصحابي الجليل قام بجرد أسماء الفقراء والمساكين الذين يسكنون مدينة حمص ليعطيهم نصيبهم من بيت مال المسلمين، بمعنى أن بيت المال هو مورد لجميع الناس الذين يستظلون براية الخلافة في عهده.
الملاحظة الثانية، والتي أراها أكثر أهمية هي ورود اسم والي مدينة حمص من ضمن الفقراء والمساكين، والذين لابد أن يشملهم شيء من المال الذي سوف يوزع عليهم، وكما تعجب الخليفة عمر نحن أيضاً نتعجب؛ وال فقير ومحتاج؛ كيف يكون ذلك؟
وحينما يسال الخليفة عمر عن هذا الوالي فيقول له العارفون عن والي حمص إنه يُعاب عليه ثلا‌ثٌ؛ لا‌ يخرج إلينا إلا وقت الضّحى، ولا‌ نراه ليلاً‌ أبداً، ويحتجب علينا يوماً في الأسبوع.
قالوا إنه عيب، وهل والي حمص هو هكذا؟
من هنا بادر خليفة المسلمين عمر بن الخطاب للتعرف على هذه العيوب الثلاثة التي ذكروها له، ولم يجد بداً إلا سؤال الوالي نفسه عن هذه الأمور، فتلقى ما لم يتوقعه وغيره من الشاكين والمعيبين على الوالي.
فقد أوضح الوالي ما يسميه الآخرون بالعيوب فقال: هذا حق يا أمير المؤمنين أما أني لا‌ أخرج إلا وقت الضّحى؛ فلأ‌ني لا‌ أخرج إلا بعد أن أفرع من حاجة أهلي وخدمتهم، فأنا لا‌ خادم لي، وامرأتي مريضة، وأما احتجابي عنهم ليلاً‌، فلأني جعلت النهار لقضاء حوائجهم والليل جعلته لعبادة ربي. وأما احتجابي يوماً في الأسبوع فلأني أغسل فيه ثوبي وانتظره ليجف، لأني لا‌ أملك ثوباً غيره.
هل رأيتم أي قلب تقي نظيف ورع يحمله هذا الوالي الذي من فرط نظافته الروحيه جعل أمير المؤمنين يبكي؟.