منى علي المطوع


ها هي سحب الرحمات قد هلت ماطرة بنعمها المحملة من السماء إلى الأرض، هذه الأيام المباركة التي ينعم فيها الأحياء بنعم عديدة حرم منها من اقتطفت حياته ولم يكتب الله له بلوغ شهر رمضان الكريم والتنعم بفضائله، ليلة القدر فرصة عظيمة لمن فاتته بركه الأيام الماضية ولمن تأخر عن سباق الأجر العظيم لتعويض ما فاته وللانطلاق نحو خير حياة جديدة قادمة بالظفر ببركة هذه الليلة ورحمتها وأجرها.
ليلة القدر التي أمر فيها سبحانه بنزول القرآن الكريم إلى رسول الله ليكون دستوراً لحياة الأمة الإسلامية ومنهاج خير لكل من ينشد دروب الله وينبذ دروب الضلال والباطل، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان».
ومن مميزات هذه الليلة العظيمة التي بها من النعم ما لا يمكن للمسلم أن يحصيها؛ نزول الملائكة للسلام على أهل الإيمان، والملائكة في هذه الليلة تكون أكثر في الأرض من عدد الحصى، تنزل بالرحمات والبركات على من ينشدها، ويصفد الشيطان فلا يمس أحداً بسوء؛ بل لا ينفذ فيها سحر ساحر، ومن قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؛ يبذل فيها المسلم طاعته وعبادته للظفر بخيرها الوفير الذي يمطر حياته القادمة بأجمل الأقدار ويبعد عنه سوء القضاء ويمحوه من صحيفته إن توجه لله بالدعاء الخالص بحسن القضاء والقدر واستعاذ من سوئهما «لا يرد القضاء إلا الدعاء».. من يربح منافع ليلة القدر فقد ربح من الأجر العظيم والبركة التي تضيء حياته القادمة، لذا كان رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام يعظم هذه الليالي ويجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، وكان السلف الصالح يشرعون في اغتنامها وتفريغ أنفسهم لها.
لذا فمن صام الفترة الماضية عن أعمال الخير فليحاول أن يلحق ما تبقى من رمضان، وأن يفطر ببركات ليلة القدر التي قد لا يكتب الله له بلوغها السنة القادمة، وليتأمل كل مسلم ما حوله كم فقد ممن يعرفهم وتوفوا ولم يبلغوا أجرها وفاتتهم فضائلها.
ولأن ليلة القدر، كما ورد، يأتي اسمها من الأقدار التي يقدرها الله على عباده في ما يخص الأرزاق والآجال، بل وحوادث العالم، فيكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون والسعداء والأشقياء والأعزاء والأذلاء، وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة، ويدفع الملائكة لتتمثله، لذا فعظمة هذه الليلة التي تحمل التقدير السنوي والخاص للمسلم غنيمة يدركها أثرياء الدعاء والعبادات ويخسرها المفلسون الذين ينشغلون عنها «وما أدراك ما ليلة القدر».
فليحاول كل مسلم انشغل وصام عن أجر وبركة أيام رمضان أن يفطر على منافع ليلة القدر، وأن يكون من أثرياء البركات والخير في ما يخص الأرزاق والآجال والسنة القادمة من حياته، وأن يكون مع موكب الغانمين السالمين من سوء الأقدار وخواتمها الظافرين بامتلاء صحفهم بالأجر والثواب العظيم بعد رمضان.
- إحساس عابر..
هناك من تستهويه الدراما الرمضانية الإرهابية ليستمر في أعمال سد الشوارع بالإطارات الحارقة. يتبادر إلى ذهن المرء وهو يتابع هؤلاء سؤال من شاكلة؛ هل هؤلاء صائمون فعلاً أم ماذا؟ وهل الصوم بالنسبة لهم يعني الامتناع عن الطعام والشراب وليس الامتناع عن إيذاء المسلمين؟ الإسلام هو الوطن الأكبر لكل مسلم، وحب الإسلام لا يجتمع معه إلا حب الأوطان، ولا يوجد مسلم عاقل يرضى بأن يساء لوطنه، فما بالكم بمن يقوم هو بنفسه بالإساءة؟
إن كان الإرهاب يبيح لهم أن يفطروا على الأذى وترويع المسلمين فأي ملة هم يتبعون؟ لمن يحمل على عاتق نفسه مهمة إيذاء رجال الأمن والمواطنين الصائمين في رمضان فليستعد لتحمل ما سيلاقيه على عاتقه في الآخرة من حساب عسير.
الصوم كعبادة يأتي لتعليم الإنسان على الصبر والتحمل؛ فأين صبر وتحمل هؤلاء إن وجدوا بعض المساوئ في وطنهم مقابل النعم العديدة التي يعيشون فيها يومياً أمام مواطنين في دول أخرى ضاعت أوطانهم وضاع معها أمنهم واستقرارهم وحياتهم!
- دعاء..
«ربي لا تجعل رمضان يمر بنا إلا وكتبت في صحفنا رزق الفردوس الأعلى من الجنة».. اللهم آمين.