ظهر بعض المسؤولين في دول الخليج العربي في مقابلات صحافية وتلفزيونية في أعقاب أحداث الإرهاب التي بدأت تتسلل لدولنا، بل وتقتحمها مؤخراً، ومن أجل التأكيد على اللحمة الوطنية، واسترضاء بعض فئات المجتمع، ذهبوا إلى التأكيد على «الإرهاب السني» في تغييب تام لأنواع أخرى من الإرهاب تتعرض إليها المنطقة، ما قدم خدمة مجانية للتصورين الأمريكي والإيراني اللذين يسعيان إلى تكريس «سنية الإرهاب»، بينما مازالت الأصابع الإيرانية تعبث بأمن الخليج العربي دونما توقف، وإن اختلفت وتيرة ذلك العبث بين الفينة والأخرى.
كان من باب أولى أن يؤكد هؤلاء المسؤولون على دور الشعوب في تكاتفها وحماية الأوطان، وما للحمة الوطنية من أدوار بالغة الأهمية في إفشال مخططات الخصوم والأعداء، وأن الكويت على سبيل المثال كانت النموذج الأبرز في برهنة ذلك، ووأد الفتنة التي أراد بها الدواعش أو غيرهم شراً بالكويت وأهلها. كان من المهم التأكيد على أن الحفاظ على الهوية الوطنية والإخلاص المواطني هما الدرع الحصين للمواطن الفرد وصولاً إلى الوطن الذي يضم الجميع.
لربما كان من الأهمية تسليط الضوء على الإرهاب الخارجي بشكل عام، ودوره في استغلال بعض المواطنين من الداخل في أغراضه الدنيئة، والموازنة بين المكاسب المتحققة من خيانة الأوطان -إن وجدت- وكم أنها زهيدة أمام حجم الخسائر التي ألحقها الخائن بنفسه وبوطنه على كل المقاييس.
تواجه المنطقة أكثر من «80» ميليشيا تابعة لإيران، وكلها تغذي الطائفية والإرهاب، لقد نخرتنا إيران وهدمت أمننا الإقليمي ومازلنا نتحفظ في كثير من تصريحاتنا، ونلطف الحديث حتى يضيع المعنى في زخرف القول، حتى لا يقال اللحمة الوطنية في الداخل الخليجي مهترئة، ونحن بعيدون عن هذا الاحتمال كل البعد؛ فمازالت الشعوب داخل الخليج العربي على درجة من التماسك والتلاحم والإخلاص.
إننا لا نتطلع أبداً لخطاب تخويني متحامل، وعلينا ابتداء ألا نعتبر الشيعة عملاء لإيران، فقد أفقدتنا هذه النظرة العراق، لابد أن نعود للقضايا بجذورها الموغلة في التاريخ، ونتحقق من إخلاص الشيعة وانتمائهم للخليج العربي قبل الثورة الخمينية، وكيف أفقدتنا إيران بعدها بعض الولاءات في الداخل الخليجي بذريعة المذهب وبإثارة الفتن الطائفية، علينا التنبه وألا نغض الطرف عن الخطر الحقيقي الذي يواجهنا لنروج لأسطورة داعش في الوقت الذي تتوغل فيه إيران ولا تواجه ردعاً كافياً.
كل ما علينا في هذه الفترة ضرورة الوقوف على توحيد المعايير في موضوع الإرهاب في المنطقة، إيران وداعش وغيرهما سيان، وعلينا ألا نتعامل بكثير من الأوجه مع هذا النوع من القضايا، وألا يجد الإرهاب في أوطاننا إلا سياسة واحدة واضحة لمواجهته واجتثاثه من منابعه.
إن جل ما نحتاج إليه لمواجهة تلك الأخطار التي تهدد أمن الخليج العربي ليل نهار، الالتزام بمشروع الدولة المدنية التي تقوم على أن الوطن للجميع، ولابد من تفعيل ذلك والتأكيد عليه عبر تبني استراتيجية جديدة لإعادة بناء قوة بلادنا، ووضع معايير للمواطنة؛ ليستظل الجميع فعلياً تحت مظلة الوطن، ومن ثم يكون مصير الخائن المحاكمة في محاكم عادلة.
- اختلاج النبض..
علينا أن نكون أكثر عمقاً في مفهوم الدولة المدنية، وألا نروج لشعارات «سنة وشيعة.. هذا الوطن ما نبيعه» عند الحاجة فقط، إننا بحاجة ماسة للعمل فعلياً على ترسيخ تلك الثقافة لدى الجميع، وجعلها أساساً مواطنياً يتم الاعتمال به في كل الظروف، دون إقصاء لأحدهم على حساب الآخر، علينا أن نقف على أسباب أزماتنا دونما تحيز وبنظرة عميقة فاحصة، ونبدأ في وضع الحلول الناجعة وتطبيقها فوراً، والكف عن تقديم الحلول الأمنية الوقتية على هيئة «البنادول».