أثناء حرب أكتوبر 1973 كان تأثير سلاح النفط كبيراً إلى درجة دفعت واشنطن إلى التفكير بالاستيلاء عسكرياً على حقول النفط في الخليج بحسبما أكدته وثائق بريطانية مؤخراً




قبل فترة كان الحديث مع أحد الأصدقاء حول السيارات الجديدة، وتحديداً الهجينة التي تزاوج بين استهلاك البترول والكهرباء، حيث اتجهت معظم شركات السيارات الكبرى في العالم لإنتاج هذا النوع من المركبات باعتبارها منتجات صديقة للبيئة، وليست بحاجة للبترول مرتفع الكلفة حول العالم باستثناء دول الخليج العربي طبعاً.
هذا الحديث قاد سريعاً إلى سؤال من الصديق نفسه عن بدائل الطاقة التي يعمل عليها الغرب، وما إذا كانت الدول الغربية فعلاً مستعدة للاعتماد على بدائل الطاقة؟ هنا تساءل الصديق؟ ماذا سيكون مصير نفط العرب؟
قاطعته، وقلت له بأن سؤاله مهم، ولكن لماذا لا تسأل عن المرحلة التي تسبق انتهاء الاعتماد على النفط العربي، والتي بدأت فعلاً منذ فترة. استغرب وأبدى رغبة شديدة بمعرفة هذه المرحلة وحقيقتها.
هذه الحادثة مناسبة لأن تكون مدخلاً للحديث عن الثابت الاستراتيجي الآخر للغرب في الشرق الأوسط، وهو أمن الطاقة، حيث يثار سؤال تقليدي قليلاً ما يحظى باهتمام من قبل الباحثين؛ إلى أي مدى سيهتم الغرب والعالم بنفط الخليج والعرب؟
قبل الثلاثينات من القرن العشرين، كانت المصالح الاستراتيجية الغربية في الخليج العربي تحديداً ترتبط بأهمية المنطقة في التجارة العالمية باعتبارها منطقة ربط الشرق بالغرب. وبعد الثلاثينات صار الاهتمام الغربي يتركز على النفط الذي اكتشفت كميات ضخمة منه في هذه المنطقة، وكانت الفائدة تعم على المصدر والمستورد، ولكن النفط تحول إلى سلاح استراتيجي عندما استخدم في أكتوبر 1973 لمعاقبة الدول الغربية التي دعمت إسرائيل، وكان تأثير هذا السلاح كبيراً إلى درجة دفعت واشنطن إلى التفكير بالاستيلاء عسكرياً على حقول النفط في الخليج بحسبما أكدته وثائق بريطانية مؤخراً.
رغم أن الحظر النفطي المفروض عربياً على الغرب انتهى في 17 مارس 1974، إلا أنه من الواضح أن هناك درساً لم يتم الانتباه له من قبل دول الخليج العربية، وحتى العربية الأخرى التي شاركت في استخدام سلاح النفط، وتمثل ذلك في التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر في 11 فبراير 1974 والذي أعلن فيه عن الخطة الحكومية لتكون الولايات المتحدة الأمريكية بلداً مستقلاً في مصادر طاقتها حتى لا تواجه استخداماً لسلاح النفط مرة أخرى في المستقبل.
الخطة الأمريكية أُعلنت في العام 1974 لتحقيق استقلال الطاقة أمريكياً، فماذا حدث بعد 40 عاماً؟
خلال العام الماضي كان الخبر مفاجئاً، ولكنه لم يحظ بزخم إعلامي كبير، فبعد أن كانت السعودية وروسيا أكبر بلدين في العالم تنتجان النفط، تراجعت مراتبهما في الإنتاج النفطي عالمياً، وصارت الولايات المتحدة البلد الأول عالمياً في إنتاج النفط.
وهنا من الأهمية بمكان أن نستعرض مجموعة من الأرقام التي وردت في تقرير المراجعة السنوية لإحصاءات الطاقة العالمية للعام 2014، وهو أهم تقرير إحصائي متخصص في مجال النفط. يؤكد التقرير تفوق واشنطن على كل دول العالم في إنتاج النفط، حيث وصل إنتاجها اليومي خلال العام الماضي 11.64 مليون برميل يومياً، وتليها طبعاً كل من السعودية ثم روسيا. ولاستيعاب حجم التفوق الأمريكي، فإن الإنتاج النفطي للولايات المتحدة في العام 2004 كان 7.25 مليون برميل يومياً فقط. أما على صعيد الاحتياطي النفطي الأمريكي المؤكد فقد كان 29.6 مليون برميل عام 1994، ووصل الاحتياطي النفطي المؤكد للولايات المتحدة في العام 2014 إلى 48.5 مليون برميل.
الأرقام مثيرة للغاية، وهي تعود لتطوير تقنيات استخراج النفط والغاز الصخري. فماذا يمكن أن يحدث إذا قررت واشنطن يوماً، والغرب أيضاً ألا يعتمد على نفط العرب؟
هذا الخيار ليس خيالياً، بل ممكناً للغاية في أي وقت وفي ظروف معينة. فالولايات المتحدة التي تحرص على تعزيز شراكاتها مع كل من بغداد وطهران قريباً بإمكانها الاعتماد على احتياطياتهما النفطية بدلاً من النفط الخليجي «الاحتياطي المؤكد للولايات المتحدة مع العراق وإيران يقدر بنحو 356 مليون برميل، في حين الاحتياطي المؤكد لدول مجلس التعاون الخليجي يقدر بنحو 496 مليون برميل». فضلاً عن وجود بدائل أخرى كما هو الحال بالنسبة لكندا ودول أمريكا الجنوبية.
لذلك ينبغي في سياق فهم تحولات الشرق الأوسط، ألا نعول كثيراً على أن وجود النفط العربي سيعطي تفوقاً استراتيجياً للغرب يدفعه للحفاظ على تحالفاته وشراكاته مع دول مجلس التعاون الخليجي على الأقل.