المتاجرة بالقضايا واستغلالها في ما يخدمك ويخدم جماعتك قد تكون أسوأ من القضية نفسها، والتي يجب على الجميع مواجهة حقيقتها بعين تصبر وتحلل، هناك فرق بين العين التي تنظر للأمور وتكتفي بذلك فقط؛ وبين عين بصيرة تنظر بنظرة شاملة ومن جميع الزوايا لتفهم وتحلل وتشرع في البحث عن حلول تأتي بناءً على منطق وحقائق لا وجهات نظر.
في مقالنا السابق «شيعي يرفض إيذاء السنة»؛ طرحنا عدة تساؤلات تهدف إلى إيجاد موقف متحد وأن تكون الأصوات عالية لإيقاف الجرائم الدموية الطائفية في أي دولة، ومن الواجب أن تشمل كلا الطرفين، السني والشيعي، ليكون نبذ الطائفية متبادلاً، وشرحنا ونحن نحلل الوضع الحاصل في كيفية التعاطي مع آخر الجرائم الإرهابية الحاصلة في الكويت والسعودية، وكيف أن موقف أهل السنة كان واضحاً دائماً في نبذ أي جرائم طائفية دموية حاصلة سواء في الكويت والسعودية أو تلك المستمرة بشكل يومي في سوريا والعراق ولبنان وإيران والأحواز، وأن بياناتهم الصادرة ومواقفهم واضحة وضوح الشمس لمن يريد أن يتابع «بعين بصير»، ونحن هنا لا نتكلم عن وجهه نظر بقدر ما نشير إلى حقيقة وواقع موجود بالأدلة والبراهين، ولمن يريد البحث عنه في المواقف الرسمية ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والحراك الشعبي والمبادرات الإنسانية؛ كالطوابير التي اصطفت في مستشفى القطيف بعد تفجير مسجد القديح، وكان يتقدمها أهل السنة للتبرع لإخوانهم الشيعة، وما إلى ذلك.
وقد أبدينا تطلعاتنا أن يخرج بالمقابل صوت شيعي عقلاني في الخليج العربي يكون «قدوة حسنة ومضرب المثل» في إصداره البيانات الاستنكارية التي تشترك مع هذه المواقف وترفض جميع الجرائم الدموية الطائفية الحاصلة، ليس في الكويت والسعودية؛ إنما في جميع الدول العربية والإسلامية كسوريا والعراق وإيران والأحواز ولبنان، وتدعو الشيعة إلى اتخاذ نفس المواقف والتحركات حتى تنطفئ الفتنة الحاصلة. ونشدد بأننا اليوم بحاجة للتكاتف والتعاون وتسجيل المواقف المتحدة والخروج بمبادرات إنسانية تبدد فتن الطائفية وتثبت النوايا الحسنة من كلا الطرفين، وليس المواقف الانتقائية المتمايلة لكفة المصالح الفئوية والطائفية.
التساؤلات التي طرحت تأتي لطموح بتغيير الواقع، فمواقف المراجع وعلماء الدين الشيعية في الخليج، ولا نقول جميعها إنما ما يظهر منها في الإعلام وذات الحراك المستمر، لو قام أحد بالبحث عنها وعن تصريحاتهم وبياناتهم سيجدها في الغالب انتقائية ولا تخرج إلا عندما تهدر دماء أبناء طائفتهم، بمعنى لم نجد إلى اليوم رجل دين شيعياً خليجياً يعلو صوته في وسائل الإعلام ويدعو إلى وقف الجرائم الدموية الحاصلة في الدول العربية على الأقل، كسوريا والعراق ولبنان، ويدعو أهله وطائفته هناك للتبرع بالدم لهم أو تنظيم صلاة في مساجدهم مقابل مساجد السنة التي تهدم من باب إثبات البراءة من تهم الطائفية وإظهار حسن النوايا!
كما سنجد في البحرين على سبيل المثال أن البيانات الصادرة من جهات تدعي أنها تمثل الغالبية العظمى من الشعب البحريني وتحاول دائماً الادعاء بأنها تمثل صوت الطائفة الشيعية، سارقة في ذلك تاريخ هويتهم الحقيقية المتعايشة من سنين طويلة مع كافة مكونات المجتمع البحريني الأخرى، نجدها عوراء الحقوق، لم تتكلم ولم تصدر بياناتها إلا عند الجرائم الإرهابية الدموية الحاصلة في الكويت والسعودية فقط، فيما لم تسجل إلى اليوم أي موقف واضح ولم تصدر بياناً واحداً تجاه الجرائم الدموية الطائفية في سوريا والعراق، وكأن من يقتلون هناك حلال دمهم أو عادي ذبحهم وشواؤهم وقتلهم وتقطيعهم والتنكيل بجثثهم!
عندما يتكلم أحد ويشير إلى واقع حاصل في محاولة لتغييره ولم الشمل؛ فإن أغلب الاتهامات التي تأتي -للأسف الشديد- أنت تتكلم بطائفية والمفترض في مثل هذه المواقف ألا نتكلم بلغة السنة والشيعة بل الوطن، رغم أنه بالأصل هذا هو هدفنا وما ندعو إليه وتناولناه في مقالات عدة سابقاً؛ إلا أن البعض للأسف الشديد حتى في قراءته للمقالات يكون «أعور الإنسانية»، ولا يقرأ إلا الفقرات التي تتناول طائفته ولا يحاول توسيع مداركه والنظر بنظرة شمولية، فإن طرح التساؤلات التي تبحث عن إجابات وأدلة بحاجة إلى مقارعتها بمواقف حقيقية وأدلة وإثباتات بالصوت والصور ونماذج على حراك شعبي تم، وليس مجرد وجهات نظر منه ومن جماعته!
الردود التي جاءت لمحاولة مناقشة ما جاء في مقالنا السابق من إخوتنا الشيعة معظمها لم تأت بإجابة واضحة وصريحة تحمل أدلة وبراهين ترد على التساؤلات، وكنا نتمنى لو وجدنا أحدهم وهو يماطل يفصح بشكل مباشر ويقر بأنه لا يعترف بالجرائم الدموية الطائفية في سوريا والعراق أفضل من المهاجمة لشخص الكاتب، أو اللف والدوران ومحاولة قلب الموضوع وتبرير مسألة أن التطرف السني هو السبب في جرائم سوريا والعراق الحاصلة، والشخصنة بحيث لا ينظر إلا لنفسه وحالة معيشته ويسقطها على الجميع دون الالتفات إلى الأطراف الأخرى.
فأحد القراء حاول مقارعة تساؤلات المقال بكلام كثير أغلبه يدور في فلك الأحداث التاريخية التي لا نعلم ما علاقتها بأحداث اليوم، وكأن البشرية وهي مستمرة في هذه الحياة جزء منها يجب أن تمم إبادته بسببها، وحجته أنه عاطل عن العمل منذ سنوات فيما جميع أصدقائه من أهل السنة توظفوا مما جعله يحلل أن ما يحصل ليس صدفة من الدولة، دون أن يوسع مداركه ويتابع ما حوله ليكتشف بالمقابل أن هناك كثيراً من السنة أيضاً ممن هم عاطلون عن العمل، وأنه لو تابع فقط أطروحات بعض النواب السنة الذين يحاججون الأطراف التي دائماً ما تدعي مظلومية الوظائف لوجد في صدامهم نفس الكلام الذي يقوله هو «البطالة باتت زائدة عند أهل السنة فيما الشيعة يجدون من يوظفهم!».
هذه المسألة بالمناسبة لن تحسم أو تجد نهاية يتفق عليها الجميع طالما كل طرف يفكر بمصالحه الخاصة ويقيس الوضع على نفسه وجماعته فقط وليس على أبناء الوطن جميعاً بعيداً عن أي اعتبارات أخرى، في دعوتنا لمحاربة الطائفية لا نقف مع علماء الدين السنة ولا الشيعة؛ بل ندعو اليوم إلى كشف نواياهم الحسنة بتسجيل المواقف التي توجه الشباب للابتعاد عن الجرائم الإرهابية الطائفية، وتسجيل المواقف والمبادرات مثل ما حصلت في السعودية عندما وجدنا أهل السنة يتبرعون بدمائهم لإخوانهم الشيعة، وكما الكويت عندما تم تفجير مسجد للشيعة صلى الجميع على شهدائهم في مسجد السنة، ليس الشيطان هو من يخطط ويدبر وينفذ ويوالي الباطل ضد الحق فقط؛ إنما أيضاً الساكت عن الحق شيطان أخرس، ونحن اليوم في جدالنا نسعى لإنهاء ظاهرة «الطائفي الأخرس» الذي لا يتكلم بلسان الجميع إنما طائفته فقط، ويتخلى عن دوره الإنساني ويغض النظر عن الجرائم الدموية الحاصلة في سوريا والعراق ولبنان وإيران والأحواز، مما يجعل الأطراف الأخرى تفسر مواقفه على منحنيات من شاكلة أنه مثل الخلية النائمة التي ستقبل بإبادة دمائهم لو اضطربت الأوضاع الأمنية وتستغل ذلك وتستدل به في مشروعها الطائفي والإرهابي بالمنطقة.
.. وللحديث بقية