كما هو الحال مع أي موضوع؛ انقسم أهل البحرين إزاء الصلاة المشتركة التي أقيمت في جامع عالي الجمعة الفائتة إلى فسطاطين؛ فسطاط مؤيد ومرحب وفسطاط لم ترق له الفكرة فأوجد فيها ألف عيب وانتقدها. أما المؤيدون فوجدوا فيها سبباً للتقريب بين الناس ورسالة مهمة ملخصها أنه لا يمكن اختراق شعب يذوب كله في واحد، وأما المنتقدون فرأوا أنه يوجد طرق أخرى أفضل للتعبير عن هذا الأمر وتوصيل الرسالة وقالوا إنه كان يفترض أن يتم البدء بأمور أخرى.
هذه النقطة الأخيرة بالتحديد هي المشكلة الأكبر، فالملاحظ على البحرينيين بشكل عام هو أنه لو لم يبادر أحد بشيء من هذا القبيل لقالوا «لو كانوا جادين لبادروا بهذه الخطوة على الأقل لعلها تكون سبباً في التقريب بين الناس وبين المذهبين الكريمين»، وعندما تتم المبادرة يقولون «لو كانوا جادين لفعلوا كذا وكذا قبل أن يبادروا بهذا الأمر».
للأسف صار أهل البحرين هكذا، «لا ينقلون ولا ينشوون» ولم يعد يعجبهم العجب، إن بادر البعض بأمر ما قالوا إنها مبادرة طيبة «ولكن»، ويظهرون فيها ما لذ وطاب من العيوب، وإن لم يبادر أحد بأي خطوة قالوا «حتى» لم يبادر أحد بأي مبادرة؟! إن أيدت الحكومة مبادرة ما وساعدت في تهيئة أسباب النجاح لها قالوا إنها مبادرة تخدم الحكومة وإنه لولا هذا لما أيدتها أو لأفشلتها، ويضعون فيها ألف خيط شك، أما إن بادر أحد بأمر ما ولم تؤيده الحكومة قالوا إنها لم تؤيد المبادرة ولم تساندها لأنها مبادرة جيدة وتخدم الناس، وأثنوا على المبادرة وفسروا موقف الحكومة منها ألف تفسير.
هنا مثال آخر لتوضيح الصورة؛ قبل أن توافق الحكومة على منح المتقاعدين ممن تقل معاشاتهم التقاعدية عن حد معين مبلغاً مقطوعاً لمرة واحدة (360 ديناراً) قالوا «حتى ما أعطوهم أدناة الدون؟ جان عطوهم مائة دينار على الأقل»، وعندما قرروا منحهم ذاك المبلغ قالوا «كان زادوا المبلغ اشوي.. بس هذي؟ .. وايد عليهم»! لهذا فليس مستغرباً أن يقف البعض موقفاً سلبياً من مبادرة الصلاة المشتركة ويضع فيها ما يشاء من عيوب تؤدي بمن بادر إلى أن ينكفئ على نفسه ويقرر عدم تكرار المحاولة.
مبادرة الصلاة المشتركة جاءت لتحقق غرضاً مهماً في فترة حساسة للغاية وصعبة، ونجحت. كل من حضر صلاة الجمعة في جامع عالي الكبير رأى كيف أن الفرحة تمكنت من عيون المصلين جميعاً، وكيف أنهم رأوا أن هذه الخطوة يمكن أن تكون سبباً في تحقيق أمور إيجابية كثيرة. تماماً مثلما رأوا بأعينهم كيف أن رجال الأمن يسخرون كل طاقاتهم لتوفير الأمن للمصلين وللجميع وإلا لما شعروا بالأمان وهم يصلون. رجال الأمن توزعوا المهام الأمنية خارج المسجد وعند بواباته وتعاملوا مع هذا المشهد الجديد على البحرين بحرفية واقتدار، وأثبتوا أنهم إنما حضروا ليوفروا الأمن والأمان وليعينوا المصلين على أداء الصلاة في الأجواء المطلوبة.
مثال أخير عن توزع أهل البحرين في فسطاطين موضوع الكاميرات التي وفرتها وزارة الداخلية عند المساجد، فمقابل البعض الذي رأى أنها وضعت لحماية المصلين ومنع الإرهابيين من الإقدام على تنفيذ أعمال إرهابية في المساجد وأنها تؤكد حرص الحكومة على هذا الأمر، قال أصحاب الفسطاط الآخر إن الحكومة استغلت مسألة التخوف من الأعمال الإرهابية لتضع تلك الكاميرات بغية مراقبة الداخلين إلى المساجد وملاحقة عناصر معينة، بل إنها هي التي أوجدت «فزاعة» داعش لتخوف الناس فيتوفر المبرر اللازم لوضع تلك الكاميرات!
حتى نتيجة أننا في البحرين صرنا «لا ننقلي ولا ننشوي» سننقسم إزاءها إلى فسطاطين!