«باقية وتتمدد»؛ هو الشعار الذي اعتمده تنظيم داعش لدولته الثيوقراطية، وفيه رسالة إعلامية واضحة بأنه ليس كبقية التنظيمات السياسية الأخرى، بل هو تنظيم تختلف استراتيجيته عن بقية التنظيمات المتطرفة، فهو ليس تنظيماً مثل حزب الله الإرهابي يتركز في منطقة جغرافية واحدة وينشر خلاياه في عدد من بلدان العالم، فهذا التنظيم يختلف عنه في أنه أسس دولته المزعومة في منطقة جغرافية وبدأ بالتمدد على خمس دول في قارتين، واستراتيجيته تعتمد على التمدد أكثر فأكثر في أصقاع المعمورة.
وعرف مركز كارنيغي الأمريكي التنظيم بأنه مجموعة جهادية هجينة لها هدف معلن يتمثل في إقامة خلافة «باقية وتتمدد»، واستراتيجيته للبقاء والنمو تشمل معاً عناصر عسكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية.
هذه الحقائق دفعتنا للهوس الكبير والانشغال المفرط بتنظيم داعش الإرهابي والمتطرف منذ انتشاره منذ قبل أعوام قليلة، حيث صار محط اهتمام المعلقين، والسياسيين، وكذلك الإعلاميين، وحتى القائمين على إنتاج المحتوى الإعلامي خصصوا إمكانيات هائلة من أجل توجيه دعاية مضادة لهذا التنظيم الإرهابي ومساعيه المتطرفة.
وبعد تنفيذ سلسلة من الهجمات الإرهابية في السعودية والكويت، وتهديدات أخرى لدول مجلس التعاون الخليجي، زاد الاهتمام أكثر بمخاطر داعش، وصار هناك استنفار أمني واسع النطاق، واستفز التنظيم مكونات المجتمع حتى باتت هناك محاولات للتقارب وتأكيد الشراكة والتعايش السلمي بين هذه المكونات في شكل من أشكال تجديد العقد الاجتماعي قد يكون حقيقياً وقد يكون مفتعلاً.
نرى صلاة جماعية تجمع السنة والشيعة، ونرى بيانات تضامنية هنا وهناك، ونرى اجتماعات دورية وعاجلة لا تنتهي، وإجراءات أمنية تطول دور العبادة والمرافق السياحية والتجارية. ونتابع عبر شاشات التلفاز والإذاعات المختلفة برامج تؤكد خطورة داعش، وتطالب بالتصدي لهذا التنظيم الإرهابي.
وحين يتم الحديث حول التنظيم تبدأ التحليلات تنسج؛ من الذي ابتكر وصنع داعش؟ من المستفيد من تمدد التنظيم؟ ما علاقة داعش بالربيع العربي؟ هل للولايات المتحدة يد في صنع داعش؟ لماذا لا تشعر إسرائيل بخطورة داعش حتى الآن؟ لماذا لم تستهدف داعش الأردن؟ لماذا لم يواجه داعش حزب الله الإرهابي رغم الاختلاف الأيديولوجي الشاسع بينهمــا؟.. الأسئلـــة لا تنتهــي، وتحليلات المؤامرات لا تتوقف.
انشغال مبالغ فيه بالبحث عن الحقيقة، أكثر من الانشغال بمواجهة التنظيم وأيديولوجيته المتطرفة والراديكالية، مثل هذه الأسئلة والبحث عن إجابات لها قد لا تكون ناجعة الآن، لأن المطلوب هو استراتيجية لمواجهة كافة التنظيمات الثيوقراطية الراديكالية التي تنتهج نهجاً إرهابياً سواءً في العراق أو الشام، أو حتى دول مجلس التعاون الخليجي.
البحث عن الحقيقة بات أمراً غير مجدٍ في زمن عمت فيه الفوضى، وصارت الحقائق أسئلة، والإجابات أسئلة، وزادت الأسئلة على الأسئلة.