حين أنظر أو أستمع لخطاب سيدي جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، تجلل مداركي مهابة تنبعث من شخصه الكريم تترجم معنى الملكية؛ والملكية هيبة و«ركادة» وتروٍّ في مقاربة الأمور.
ربما هذا هو شأن الملكيات بصورة عامة أو نظم الحكم في الخليج بصفة خاصة، فثقل الملكية نتلمسه في التحركات الخارجية للشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية.
بخطاهم الثابتة والواثقة على مدى سنوات طوال، أسهم حكام السعودية ووزير خارجيتها السابق سعود الفيصل في ترسيخ سياسة سعودية خارجية فريدة، تمتع الخليج العربي بحرفية الكر والفر، والمزيج الفريد من بداوة صلفة، وثقل مهيب، وقوة اقتصادية، وفي الجانب الآخر مرونة عالية بحكمة وتروٍّ بالغين، تتباطأ فيها الخطى حيناً لغاية، وتتسارع حيناً آخر لغواية الخصوم وإحداث شيء من الفوضى الناعمة قبل إعادة الأمور لتوازناتها المأمولة، وقد برهنت السعودية براعتها الفائقة في الإمساك بزمام اللعبة الدولية على مدى عقود طويلة ماضية، وتفوقت على نفسها عندما خاض الخليج العربي معترك الأزمات بدءاً من حرب الخليج الثانية، وصولاً إلى الغزو الأمريكي للعراق، ثم انقطاع خيط السبحة في الشرق الأوسط والوطن العربي جراء فوضى «الربيع»، ليواجه الخليج العربي بقيادة سعودية أصعب تحديات القرن، ويلملم حبات اللؤلؤ المنثور بمواقف راسخة.
في العهد الراهن.. حظي الخليج العربي بصياغة سياسة تصالحية ترسخ ثوابت التعاون في ما بين أعضائه، وبخطٍ موازٍ شهدت السعودية ولادة جديدة، أسهمت في قلب موازين القوى ودخول الخليج العربي طرفاً فاعلاً في معترك الجيوبوليتيك والتوازنات الاقتصادية الجديدة.
ولعل السياسة الخارجية السعودية بالتنسيق مع دول الخليج العربي، إزاء بعض الدول الآسيوية والأوروبية من القوى العظمى والصاعدة -لاسيما روسيا وفرنسا- بعد الانكفاء الأمريكي المبطن عن الخليج، هي الرد العملي، والرسالة الأهم في تاريخ العلاقات الخليجية الأمريكية، بما يبرهن للداخل الخليجي والعالم أجمع أنه متى ما وجدت هذه النخبة الحكيمة والمدبرة سيكون الخليج بمأمن بمظلات حماية أمريكية أو أوروبية أو غيرها.
- اختلاج النبض..
بينما يعكس وميض السياسة الخليجية الجديدة تراجع مفاصل مهمة من تاريخ العلاقات البينية «الأمريكية - الخليجية» يترجم لمعان نجوم جديدة على الساحة الدولية، وانطلاق صافرة تهاوي قطبية الولايات المتحدة الأمريكية المنفردة على عروشها؛ لينازعها على قيادة العالم قوى جديدة، مؤهلة لنيل زمام الأمور في وقت قريب، في صرخة عالمية مدوية «أمريكا.. كفى تعنتاً وطغياناً».
فهل سيكسر الخليج العربي في مرحلة قادمة تلك الشوكة المنفردة في حلق العالم؟ ويسهم في إعادة التوازنات الدولية والإقليمية اقتصادياً وسياسياً؟