في كل إجراء تعلن عنه الدولة عبر أحد وزرائها نكرر القول ذاته بأنك «أن تأتي متأخراً، خير من ألا تأتي أبداً»، في دلالة صريحة ومباشرة على أن كثيراً من الخطوات التي نتخذها اليوم «شئنا أم أبينا» بسبب حتمية بعض الظروف، هي أصلاً خطوات كان يفترض أن تطبق منذ زمن طويل جداً، خاصة في ظل وجود قوانين وتشريعات، وفي ظل اتفاق عام لا يخرج عن ثوابت الدستور بأن «أمن الوطن» فوق أي اعتبار.
لكن يبدو أننا بسبب إدراك يأتي متأخراً كما هو واضح، نعلن عن ذلك، وكأننا بدأنا فصلاً جديداً من تطبيق القانون، ومن الصرامة في التعامل بحسب أطره. في حين أن الواقع يقول بأن القانون موجود منذ زمن، وأن ما نقوله اليوم هو ما كان يفترض أن يكون حال لساننا منذ البداية.
بيد أن هناك نوعاً من الارتباط الشرطي لا الطردي يربط بعض توجهاتنا ببعض التوجهات المعلنة لدول شقيقة، بحيث وكأننا نقول للمتابع أننا نريد تطبيق قانون ما، أو إرساء ضوابط معينة، لكننا نحتاج لعملية «تحفيز» أو «تشجيع» أو «دكة» أو «دزة» سموها ما شئتم.
ولذلك نكرر المثال أعلاه بأنك حتى وإن كنت متأخراً في اتخاذ المطلوب، فإن هذه نقطة أفضل من عدم اتخاذ أي شيء على الإطلاق والإكتفاء بالتفرج، أو الالتهاء بردود على هذه الفئة أو تلك، سواء عبر بيانات رسمية، أو تغريدات تويترية.
بالتالي حينما أعلن ملك المغرب قبل أيام اتخاذ قرار حاسم وقوي بشأن وقف العبث الحاصل باسم الدين، واستغلال من نسميه بـ»تجار الدين» للمنبر الديني بغرض التأثير على عقول البشر وغسل أدمغتهم، وبهدف «صناعة أتباع» باسم الدين، ولأجل تحقيق مآرب وغايات فئوية تحزبية خاصة، قلنا يومها ليتنا نفعل المثل في البحرين، وهو قول كررناه دائماً ومراراً، وطالبنا الدولة بأن تتخذ إجراءات صارمة بشأنه، بل ما فتئنا نذكر وزارة العدل طوال ثلاث سنوات، أي منذ الجلسة الاستثنائية للمجلس الوطني بشأن الإرهاب ومحاربته بأن هناك ثلاث توصيات لم تطبق، على رأسها التعامل القانوني اللازم بحسب النصوص الدستورية والقانونية بشأن التحريض واستغلال المنابر الدينية.
بالأمس صرح وزير العدل بتصريح هو ليس الأول في مضمونه بشأن المنابر الدينية واستغلالها، ولوح (وهو ليس التلويح الأول) باتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يتورط في التحريض على الكراهية ويشق الصف الوطني والإسلامي. لكن الفارق في شأن التصريح، أنه يأتي بعد خطوة المغرب، وقد لا يكون السبب الرئيس في اتخاذنا الخطوة، لكنه مربوط بالتأكيد بتداعياتها، خاصة ما نعنيه بشأن الحادث الإرهابي الذي وقع الأسبوع الماضي في الكويت وكانت وراءه «داعش».
نحن بالقطع مع هذا التصريح، لكننا سنكون بشكل أكبر مع تطبيقه وعدم بقائه في إطار التصريح الإعلامي، أو في حدود تغريدة تصدر عن وزير العدل على مواقع التواصل الاجتماعي. أي أننا يا معالي وزير العدل الذي نقدر له وقفاته الوطنية المخلصة ومواقفه الطيبة، نريد التطبيق وعدم التهاون مع أي مستغل للمنبر الديني، سواء أكان منتميناً لهذه الطائفة أو تلك، إذ شهدنا في سوابق يذكرها الشارع البحريني جيداً تعاطياً أقل ما يوصف بأنه ليس عادلاً مع خطباء يتم إيقافهم عن الخطابة، وبين خطباء لا تصدر بحقهم أي عقوبة رغم أنهم تفوقوا على النوع الأول بمراحل متقدمة، بل وصلوا لتقسيم أهل البلد لقسمين وصرحوا بذلك فوق المنبر، أباحوا شتم الدولة ورموزها، وتطاولوا على مذاهب أخرى، وأعراق أخرى، وطالبوا بـ»سحق» الشرطة وتجاوز القانون، وكلها أمور من شأنها زج من ينخدع بهم ويسلم أمره لهم لارتكاب أفعال تدخل في إطار «التحريض على الكراهية وشق الصف الوطني» والأخطر في إطار إباحة «العنف».
وعليه نتمنى منكم تطبيق ذلك، ووقف كل مستغل لمنبر الرسول، سواء أكان على منبر شيعي أو سني، بلا تمييز ودون تغاضٍ.
ورجاء نقولها لمن يستاء من هذا التوجه ويقول بأنه لا يجب فصل الدين عن الدولة، رجاء فقط تمعن في حال بلداننا ومنها البحرين، كيف أصبح حالها بعد أن تحول رجال دين والأخطر «تجار دين» و»مدعي دين» إلى متداخلين ومتدخلين في السياسة وسياسيين، أرأيتم كيف أصبح حالها؟!
هذا هو الخطر الحقيقي، حينما يعمل رجل الدين بالسياسة ويمارسها ضد النظام ويحرك بها المجتمع، وحينما تأتي لتحاسبه بالقانون يعود ليحتمي بعباءته أوعمامته ويصرخ «أنا رجل دين، ممنوع الاقتراب»!
والله هؤلاء يفترض بأنهم أول وأشد من يطبق عليهم القانون.