كل الأديان السماوية في العالم تنبذ القتل والعنف والإجرام الذي يمحو مبادىء الإنسانية. ومهما اختلفنا كمسلمين أو مسيحيين أو بوذيين أو يهوديين؛ فجميعنا إخوة في الإنسانية، وجميعنا أبناء آدم وحواء خلقنا من طين وتراب ومردنا إلى الله سبحانه. فهذا الكون هو لله جل جلاله وليس لنا كي نقرر ونختار من منا يجب أن يعيش ومن منا يجب أن تسفك دماؤه ويرحل.
في هذه المرحلة التي كثرت فيها الفتن وجرائم الإرهاب، علينا أن نتعلم أن نكون مسلمين قبل أن نكون عرباً، وعرباً قبل أن نكون خليجيين، وخليجيين قبل أن نكون بحرينيين، وبحرينيين قبل أن نكون سنة أو شيعة.. نحن في هذه المرحلة بحاجة لأن نسمو بإنسانيتنا وبالفطرة الكونية التي تنشد الأمن والاستقرار والحب.
لعبة الموت الحاصلة اليوم التي تأتي كضريبة على ذنوبنا ومعاصينا وابتعادنا عن مناهج الإسلام الصحيحة تحتاج لإعادة نظر ومراجعة للذات، الجرائم المؤسفة التي وقعت في الكويت والسعودية جرس إنذار ينبغي للعاقل الانتباه إليه. فكما أن التطرف لا يفيد أهل السنة ينبغي أن يدرك الشيعة ذلك أيضاً، أن شهداءهم شهداءنا، وأن شهداءنا في العراق وسوريا ولبنان وإيران والأحواز ينبغي أن يكونوا شهداءهم أيضاً. لنترك مسألة اختلاف عباداتنا لله سبحانه، لا شأن لنا بالتدخل في النيات وما بين العباد وربهم، في هذا الوقت نحتاج لان «نكبر عقولنا» لا نصغرها بنظرة احادية ضيقة محدودة الإدراك.
ولأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالحكمة اليوم مطلب ملح، والعودة الى مبادىء الإسلام من القرآن والسنة لا إلى من يصدرون العنف والتطرف إلى عقول الشباب التي تحتاج إلى فطنة عاقل وقلب حكيم، سواء أكنت سنياً أو شيعياً لن يفيدك أي عالم دين أو شيخ تتبعه إن انحرفت في سلوكك وتصرفاتك عما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، وكل ما جاء فيهما ينبذ القتل تحت أي مبرر ويورد الكثير من المواقف والقصص التي منها مبدأ (لكم دينكم ولي ديني)، التغيير الذي يجب أن يبدأ هو التفكير بأن مساجد السنة والشيعة، وإن اختلفت، فإن جميعها يؤدي الصلاة فيها باتجاه قبلة واحدة. وإن اتجاهنا جميعاً نحوها يعني أن علينا أن نفطن أن اتجاهنا في الحياة مهما اختلفت مذاهبنا يجب أن يكون واحداً أيضاً، اتجاهنا نحو الله الذي شرع في كتابه العزيز مبادىء الإنسانية والحب والتعايش السلمي.
جميعنا لا يرضى بهدر دماء أي مسلم، وكما كانت مواقفنا واضحة دائماً ضد الجرائم الدموية الطائفية الحاصلة في سوريا ولبنان والأحواز وإيران والعراق، فنحن ضد الجرائم الدموية في تفجير مسجد القديح والعنود بالسعودية ومسجد الصوابر بالكويت، ولا نرضى بهدر دماء أي شخص ينتمي للمذهب الشيعي مهما كان، في موقفنا ضد الإرهاب نحن لسنا سنة الفاروق ولا شيعة علي، نحن أمة القرآن الذي يحرم قتل المسلمين، لسنا بسنة أو شيعة؛ إنما مسلمون نرفض تفجير بيوت الله، ولن نقول نحن مع الكويت أو السعودية ضد الإرهاب فحسب؛ بل سنقول نحن مع الإسلام الذي أحكامه تحرم القتل.
لكن علامة الاستفهام التي نطرحها؛ لو فجر مسجد لأهل السنة في العراق وسوريا هل ستتم الصلاة عليهم في مسجد للشيعة كما حصل في الكويت حينما أرادت تطبيق درس سامٍ شعاره لا للطائفية ونعم للوحدة الوطنية؟
الواقع اليوم الذي يجب أن يتغير هو أن يكون نبذ الطائفية متبادلا من كلا الطرفين، فالتفجيرات التي وقعت في السعودية والكويت هي نفسها تلك الحاصلة بشكل شبه يومي في العراق وسوريا، وكما نبذ الصغير والكبير واستنكر الجميع ما حصل في الكويت والسعودية دون أن يتفكروا في مذاهبهم لا بد أن يكون الموقف متحداً أيضاً ضد الجرائم الطائفية الحاصلة في بقية دولنا العربية.
أهل السنة مواقفهم واضحة دائماً في نبذ الإرهاب في كل الدول التي تسفك فيها الدماء، إنما الصوت الشيعي العقلاني لا نجده يظهر ويستنكر «ما عدا قلة منهم طبعاً»، إلا عندما يمس أبناء طائفته، لم نر إلى اليوم من يخرج ببيانات استنكارية ومواقف حازمة من إخوتنا الشيعة ضد تفجير مساجد أهل السنة في العراق وسوريا ويدعو إلى نبذ الطائفية، لا نسمع أصواتهم ولا نرى مواقفهم الاستنكارية إلا في الجرائم الدموية التي تطال أبناء مذهبهم.. وقد يكون ذلك سبباً من الأسباب التي تؤدي بالمقابل إلى تفسير هذه المواقف بسوء النية وبالرضا والقبول بهدر دماء أصحاب المذاهب الأخرى، مما يؤدي إلى المزيد من التطرف واغتنام ذلك في شحن الانفس وتحويلها لتبني فكر الإجرام الطائفي المتطرف الذي جاءت محصلته التطاول على مساجدهم، وفكرة أن جميع هؤلاء الساكنين الساكتين لو وجدوا الفرصة يوماً، فهم سيدعمون سفك دماء السنة وهدرها مثلما يحصل في العراق وسوريا. وبالتالي، الحاجة تفرض نفسها اليوم لتقديم حسن النوايا من قبل الطرف الآخر، أي الشيعة، والتكاتف مع إخوانهم أهل السنة في توحيد المواقف وليس الانتقائية في الاستنكار ضد العمليات الإرهابية، كثير من أهل السنة يرون اليوم أن تفجير مساجدهم في العراق وسوريا سيكون وضعه على الصامت بالنسبة للشيعة، بينما ستتعالى صيحاتهم واستنكاراتهم عند تفجير مساجد الشيعة، وفي ذلك تمييز في معاني الإنسانية والدين.
كما أبدى السنة رفضهم لإيذاء الشيعة وتفجير مساجدهم، هم بحاجة اليوم أيضاً لإيجاد مثال وقدوة «لشيعي يرفض إيذاء السنة» في دول الخليج ويتبنى مواقف ويصدر بيانات استنكار ضد الجرائم الدموية في العراق وسوريا، كي يكون «مضرب المثل» وهم يحدثون الشباب ويوجهون النصح لهم بالابتعاد عن الطائفية.