يعلم جوليان أسانج، ناشر ويكيليكس «WikiLeaks»، بأنه إذا ما عطست الرياض اهتز الشرق الأوسط، وقد اختار هذا التوقيت لنشر نصف مليون وثيقة من مراسلات الخارجية السعودية تحت عنوان «The Saudi Cables»، نشرها الآن لأن الرياض تكتب في اليمن وسوريا والعراق أحداثاً تاريخية ستترك أثراً في جغرافيا المنطقة.
كنت أمني النفس بوثائق كالتي تطلق سراحها دار الوثائق البريطانية بين حين وآخر، أو وثائق ترسم ملامح حقبة إدارة الأمير سعود الفيصل للوزارة، واختراقات الخارجية السعودية الناجحة للأزمات والتحديات الإسلامية والعربية والدولية؛ كالأزمة اللبنانية واتفاق الطائف وتحرير الكويت والفزعة الخليجية للبحرين، لكنها لم تفعل. وعليك أن تعتمد على مدخراتك من الصبر وأنت تتنقل فيها بين وثيقة شراء طوابع للقنصلية وبين وثيقة شكوى زوجة أجنبية على زوجها المواطن.
لقد كان جهل طاقم ويكيليكس للغة العربية أمراً حاسماً في قبول سقط المتاع من المعلومات، فالوثائق ذات التصنيف الأعلى كانت كما يبدو في مكان آخر، ولم يخلو ما نشر من بعض الإثارة والطرائف، لكن محتواها لن يغير شيئاً في المشهد الإستراتيجي لضعف محتوى تلك الوثائق، كما أن قابلية تزوير هذه الوثائق عالية جداً، بالإضافة إلى قدمها في عالم متسارع الأحداث، ورغم اقتصار تبعات نشر هذه الوثائق على خلق الإثارة، إلا أن علينا في الخليج اجتناب محذورين رئيسيين:
- لا يتسع السطر لما في الصدر من ألم ونحن نرى الكثير من المؤسسات الخليجية العامة تعتمد كخط دفاع أمني أول ورقة A4 مكتوب عليها ممنوع الدخول أو التصوير معلقة على باب مركز المعلومات الآلي. بالإضافة إلى قصور انتشار ثقافة تصنيف الوثائق ودرجاتها «سري للغاية»، «سري» «محظور» وخطورة إفشاء مضمونها، وكيف يؤدي إلى تهديد سلامة الدولة أو إلى حدوث أضرار خطيرة بأمنها أو مصالحها، فالعواصم الخليجية، وليست الرياض فحسب، مجبرة على أن تعيد إنتاج مشروعها بالكامل في مجال التعامل مع الوثائق ورقياً وإلكترونياً، ولم يكن ما حدث اختراق قراصنة عن بعد فحسب؛ بل ضعف إجراءات مع من يعمل في مراكز المعلومات.
- المحذور الثاني هو الفشل في خلق ظروف عتاب صحية بين دول الخليج، فنشر مثل هذه الوثائق ورغم أنها عادية التصنيف إلا أنها قد توحي للكثيرين بتفسيرات خاطئة، مما يفسح المجال لمفجرات نزاع قابعة على تخوم المشهد الخليجي الذي لم يتعاف من أزمة سحب السفراء إلا بعد عناء شديد، حتى اعتقدنا أن العلاقات لم تعد قابلة للترميم.
كما أن المتربصين بالتعاون الخليجي سيجدون لهم ثغرة لدق إسفين بين الإخوة مستغلين تحليلات قنصلية وخلاصات دبلوماسية مبنية على مؤشرات متناثرة ولم تصل إلى مرحلة القرار.
- بالعجمي الفصيح..
في أكتوبر 2013 نشرت ويكيليكس وثيقة سرية للغاية عن شخصية عربية خليجية يتعلق محتواها بتواصله مع مركز الاستشراف الإستراتيجــــــي «Strategic Forecasting, Inc»، والمعـــروفــــــة اختصــــاراً ستراتفـور «STRATFOR»، وهو مركز أمني أمريكي يعنى بقطاع الاستخبارات، ويطلق عليه لقب «وكالة المخابرات المركزية في الظل» أو «The Private CIA» لكون معظم موظفيه ضباطاً وموظفين سابقين في CIA.
وقد تعرض ستراتفور لاختراق أمني منذ 2011، ونشرت ويكيليكس وثائق ضخمة من وثائق المركز، وكان من حسن حظ المتابعين لويكيليكس أن الشخصية الخليجية كانت د. ظافر محمد العجمي، المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج، وهذا رابط التسريبين الخطيرين على صفحة ويكيليكس.
https://wikileaks.org/gifiles/docs/44/446986_dr-zafer-alajmi-member-id-637561-.html
https://wikileaks.org/gifiles/docs/45/451361_-iso-8859-1-q-re.html
ولمن لا يستطيع الوصول للموقع، نلخص له القضية بأنني كنت مشتركاً في نشرة ستراتفور، ثم اكتشفت أن رئيسها جورج فريدمان يستقي معلوماته وأفكار مقالاته عن الخليج مما يكتبه المحللون الخليجيون، وبعضهم معنا حالياً في مجموعة مراقبة الخليج، فقررت وقف الاشتراك، وعندما طال الحوار الإلكتروني ولم يوقفوا الاشتراك، طلبت أن يرسلوا نشرتهم مجاناً أسوة بمراكز أخرى مرموقة، فلم يكن ما يبعثون به يستحق أن يكون بثمن، فكيف أصبح الحوار بيني وبين موظفة الاشتراكات في ستراتفور ذا أهمية استخبارية قصوى وحساسة في ذهن ويكيليكس فنشرته؟، فهل سيغير شيء في المشهد الإستراتيجي؟!