تقليدياً تعتبر المصالح المحور الأساسي للعلاقات الدولية والإقليمية، ولكن على أرض الواقع الوضع عادة ما يكون مختلفاً إذ تتداخل اعتبارات الجغرافيا السياسية وعوامل التاريخ لتحدد إطاراً عاماً للعلاقات بين الدول.
في السنوات الخمس الأخيرة بدأ هذا المفهوم في التغير نحو اعتماد المصالح هي الإطار الأساس للعلاقات، وبناءً عليه صرنا نتابع انتهاء التحالفات القديمة وتحول بعضها إلى شراكات وثيقة تقوم على المصالح وليس غيرها.
لم تعتد دول العالم ومن بينها دول مجلس التعاون الخليجي على هذا المفهوم الجديد، ولكنه اتجاه لا يمكن تجاهله، حيث باتت العلاقات الدولية أكثر براغماتية من أي وقت مضى.
طوال نحو قرنين راهنت دول مجلس التعاون على اعتبارات الجغرافيا والتاريخ كمحددات تساهم في رسم سياساتها وعلاقاتها الخارجية، ونجحت إلى حد كبير في الاستفادة من هذا الوضع الذي اختلف الآن لأسباب عدة. والآن عليها إعادة تعريف مصالحها الاستراتجية من جديد، فلم تعد المصالح مرتبطة باستقرار أسعار النفط، أو تبني شعارات تستهلك إعلامياً كالدفاع عن القضايا العربية والإسلامية وغيرها، بل باتت المعادلة الجديدة تتطلب تحديد ما لديك حتى تنال ما لدى غيرك.
في ضوء هذه الحقيقة فإن التحدي يتمثل في خيارات أحادية لكل دولة خليجية لتحدد مصالحها لوحدها، أو أن يكون هناك توجه جماعي لتعريف مشترك للمصالح تشمل جميع الدول الخليجية ويمكن أن تتجاوز إطارها.
بالإضافة إلى ذلك فإن غياب الضمانات الحقيقية المرتبطة بالمصالح تمثل بعداً آخر في سياق عملية إعادة تعريف المصالح الخليجية. فمصالح دول الخليج طوال العقود الماضية لم ترتبط أبداً بضمانات، وهو ما حدث في حرب تحرير الكويت، ولاحقاً عندما سمحت واشنطن لطهران بالسيطرة على بغداد، والمساعي الأمريكية لتغيير خريطة المنطقة على المدى المتوسط.. إلخ. جميع هذه الأمثلة تكشف فداحة الاعتماد على المصالح بدون ضمانات في العلاقات الخارجية.
توقيت إعادة تعريف المصالح الاستراتيجية الخليجية قد حان ولا يحتمل التأخير أو التأجيل، والأهم هو العمل المشترك الذي أثبت نجاعته منذ فترة، خاصة في مواقف الأزمات. والمتغيرات الجارية تتطلب من دول مجلس التعاون تغييراً كبيراً في الخطاب وشكل وحجم المصالح، فظروفنا اليوم لن تكون نفسها بعد شهر رمضان.