ليست الطائفية أن تنتقد أفكار أو ممارسات الطائفة الأخرى إن رأيت فيها خطأ، الطائفية أن تمتنع وتغض الطرف متعمداً عن انتقاد طائفتك تحت ذريعة وحدة الصف، هذه هي أكثر وأشد صور الطائفية قبحاً، أما إن كنت لا ترى هذا التناقض في خطابك وسلوكك، ولا تشعر ولا تنتبه ولا تعي أنك صامت عن أخطاء جماعتك وغاضاً للطرف عن سقطاتهم وهناتهم، فهذه درجة من درجات الانفصال التام، والشيزوفرنيا الفاقعة، وهذا هو التعصب الأعمى.
التعصب هو انحيازك لطائفتك أو لحزبك لدرجة لا ترى فيهم خطأ أو عيباً وترى حتى جرائمهم مبررة ومشروعة ولا يجوز أن يكونوا تحت طائلة القانون.
الأدهى حين ترى نفسك داعية للسلام وداعية للتعايش وأنت تدعو لتطبيق القانون على الخارجين عن القانون إن كانوا من أبناء الطائفة الأخرى أوالملة الأخرى أوالحزب الآخر، ثم حين يخطئ أي من أبناء طائفتك ويخرج عن القانون فإنك تدعو إلى التسامح والنسيان والمغفرة وطي الصفحة، فلا تتذكرالتعايش والتسامح إلا حين يخطئ أحد من طرفك.
أن نكون طوائف ليس عيباً، أن نكون مذاهب ليست بدعة، أن نكون أحزاباً سياسية مختلفة ذلك يثري العمل الديمقراطي، أن نتحدث عن اختلافاتنا أونذكر هذا سني وذاك شيعي ليس مدعاة للفرقة إنها ألوان طيفنا لا يمكننا أن نخفيها، مادمنا نتحدث في نطاق التنوع المحمود.
لا يكرس ذكر تنوعنا أي درجة من درجات الفرقة والانقسام بيننا، فالتنوع طبيعي والتنوع يثري والتنوع هو ديدن البشر، إنما حين يمتنع طرف عن الأخذ على يد مخطئ فيه، ويمعن في انتقاد الأطراف الأخرى بل يصمت عن أخطاء أطرافه، هنا يبدأ التخندق ويصبح الاختلاف خلافاً ويصبح النقد فعلاً طائفياً مقيتاً.
الطائفية أن ترى الفرقعة التي يحدثها غيرك وتعمى بصيرتك عن انفجار تحدثه جماعتك. الطائفية هي أن ترى الانحراف في فكر الجماعات الأخرى ولا ترى السقوط في جماعتك، الطائفية أن تنتقد فعلاً طائفياً نقداً لاذعاً أتى به أحد من غير طائفتك، ولا تسكت عن فعل طائفي أتي به أحد من طائفتك فحسب بل الأدهى أن تمارسه أنت.
الدعوة للتسامح والتعايش وطي صفحة الماضي لا تأتي من طرف غض الطرف عمداً وتجاهل عمداً وقصداً وبوعي تام عن جرائم وجنح ومخالفات الطرف الذي ينتمي إليه بحق الآخرين وبحق الوطن، تسمع دعوات التعايش والتسامح وطي صفحة الماضي من طرف الأخذ على يد المخطئ من طرفه واقتص للحق بنفسه من أصحابه، هنا فقط ممكن أن تصغي الآذان لتلك الدعوات ولصاحبها.
كما أن «التعصب» ليس حصراً على التعصب المذهبي بل ممكن أن يكون التعصب والتحزب والتخندق سياسياً أيضاً، فلا يرى المتعصب سياسياً أي جرائم ارتكبها حزبه في حق الآخرين، بل دائماً ما يبحث لنفسه ولحزبه عن مظلة يبرر بها أخطاءه إن لم يبرئ نفسه منها وإن لم يرها نضالاً، ويغض الطرف متعمداً عما ارتكبه حزبه من جرائم في حق غيره وحق وطنه فالإقرار بالخطأ يضر بوحدة الصف الحزبي، ثم بعد ذلك يتحدث عن التسامح والتعايش والغفران.
إييييه ....... دربك طويل يا وطن.