خلال رحلات السفر لقضاء أوقات جميلة للاستجمام، فإن التجارب السابقة تعلمك شيئاً مهماً؛ وهو ألا تضع أموالك في جيب واحد ولا تضعها جميعها في محفظة واحدة، حتى وإن كنت تشتري ببطاقة الفيزا، فإنك قطعاً ستحتاج إلى أموال سائلة، فمن الحكمة ألا تضع الأموال والبطاقة في مكان واحد.
التجارب تعلمك ذلك، إن كنت مع زوجتك، فإنك تضع جزءاً من المال عندها وجزءاً آخر عندك، فلو قدر الله وتعرضتم للسرقة أو لضياع المحفظة، فلا تضيع كل الأموال جملة واحدة، ويبقى لديك ما يجعلك تستطيع أن تصل إلى الفندق.
هذا على المستوى الشخصي، فحتى في السياسة ينبغي أن نفعل ذلك، ولكن مع عميق الأسف والأسى وكبير الألم فقد وضعنا كل بيضنا في ما سبق في السلة الأمريكية، وكان هذا أمراً خاطئاً، فنحن دولة صغيرة وتحتاج إلى الحماية وسط بحر متلاطم، غير أن أهم وأكبر حماية من بعد الله سبحانه هي الجبهة الداخلية، وبعدها يأتي التحالف مع المملكة العربية السعودية، فهي صمام أمان المنطقة والدولة المركزية الكبرى، من بعد ذلك يأتي التحالف الخليجي بشكل عام.
وأحسب أن كل هذا يحدث بشكل جيد من ضمن السياسات البحرينية الخارجية، والتحالفات مع دول الجوار، أو البعد العربي، مثل مصر والأردن والمغرب، كما أن للبحرين علاقات قوية وطيبة بمحورين مهمين، مثل تركيا وباكستان، وهذا أمر طيب للغاية.
مع كل هذه التحالفات إلا أننا كنا نعول على تحالف واحد رئيس وهو الحليف الأمريكي، ربما كان ذلك حتى منتصف التسعينات أمراً جيداً، غير أنه من بعد ذلك أصبح الحليف الأمريكي يلعب بالنار، كما لعب مع دول كثيرة وباع تلك الدول وأنظمتها في لمح البصر من شاه إيران إلى أنظمة كثيرة في المنطقة وخارجها.
خلال أزمة 2011 سقطت أقنعة دول، وأقنعة جهات داخل البحرين، وأقنعة مؤسسات وأفراد وشركات، وكان الأمريكان أول من سقطت أقنعتهم، فقد كان قناعهم ساقطاً فعلاً بالنسبة للشعب، ولكن لم يكن كذلك للدولة.
حتى أظهرت الأزمة الدور الأمريكي القذر في محاولة تمكين الانقلابيين بعد تأهيلهم ودعمهم سياسياً.
وأذكر أني كتبت بعد الأزمة في 2011 «روسيا تقف مع الأسد حتى الرمق الأخير، وأمريكا تتآمر علينا وهي الحليف»..!
غير أن الدولة «وحتى منظومة مجلس التعاون الخليجي» بدأت تعي الدرس وتتجه نحو بريطانيا وروسيا والصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية، بعد أن ظهر بجلاء ووضوح أن الأمريكان يتآمرون على دول المجلس وعلى المملكة العربية السعودية بشكل ظاهر وواضح.
حتى إن البريطانيين يبدو أنهم قالوا للبعض: «مادمتم قد وضعتم بيضكم كله في السلة الأمريكية، فلتخرجكم أمريكا الآن من الأزمة»..!!
من هنا يبدو أن هناك تصحيحاً للسياسات الخاطئة، فقد وثقت البحرين علاقاتها ببريطانيا بشكل قوي وكبير بعد الأزمة الأخيرة، كما أن زيارات جلالة الملك وسمو ولي العهد حفظهما الله لروسيا والدول الكبرى بالشرق أيضاً ساهمت كثيراً في فتح أوجه للتعاون الوثيق مع تلك الدول، وهذا أمر طيب ومطلوب خاصة والأمريكان أصبحوا خصومنا في مجلس حقوق الإنسان، وفي المنظمات الدولية.
ناهيك عن علاقات التعاون وتوقيع الاتفاقات بين البحرين وروسيا من جهة وبين السعودية وروسيا من جهة أخرى، وهذا كله يصب في تنويع وتوزيع التحالفات، فالروس أوفياء لحلفائهم في أكثر من دولة، ويستخدمون الفيتو من أجل نصرة خصومهم، وهذا لن تفعله أمريكا أبداً، وهي التي تتآمر علينا صباح مساء، وتهدد بسحب أسطولها من البحرين.
غير أن من ذكاء وحكمة القرار السياسي البحريني ممثلاً في جلالة الملك هو إعادة الحياة إلى التعاون البريطاني من خلال القاعدة البريطانية بالبحرين، وهذا يظهر أن هناك تخطيطاً أفضل من الذي كان قائماً قبل أزمة 2011.
روسيا تريد أن تصل إلى المياه الدافئة، وإن كانت روسيا ستقف مع دول المنطقة كما تفعل مع بشار، فإنها أكثر وفاء من الأمريكان مع حلفائها، حتى وإن اختلفنا معهم في ملفات كثيرة.
الأهم من كل ذلك، هو كيف نقوي أنفسنا كدول الخليج دون الاعتماد على الأطراف الخارجية، بمعنى يجب التخطيط لعبور هذا المنعطف بعلاقات قوية مع روسيا والصين وكوريا والهند وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وفي ذات الوقت يبدأ العمل من أجل أن تكون لدينا صناعتنا العسكرية المتقدمة، ولدينا مفاعلاتنا النووية، وصواريخنا العابرة، ولدينا اقتصادنا القوي الذي لا يعتمد على بيع النفط فقط.
أخطاء الماضي مكلفة جداً، وتصحيحها يحتاج إلى وقت كبير، وخيار بريطانيا وروسيا وفرنسا وألمانيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية، أفضل بكثير من خيار أمريكا وحدها، فهي تبتسم في وجهنا، وتتآمر علينا وكل همها ضرب المملكة العربية السعودية..!