من أين يستمد الفنان ناصر القصبي شجاعته في مواجهة واحدة من أخطر التنظيمات الإرهابية حين عرض الحلقة الخاصة بداعش في برنامجه «سيلفي» والتي عرت الخواء الفكري الذي يقف وراء التطرف الداعشي؟ رغم أنهم هددوا بقطع رأسه وفصله عن جسده.
الفنان ناصر القصبي يستند إلى قاعدة عريضة من التأييد الشعبي أكثر من استناده إلى حماية أمنية من النظام ومن يتابع حساب القصبي على تويتر يرى حجم التأييد والمساندة الشعبية لحلقته الخاصة بداعش، فقد أعيدت بعض تغريداته في أقل من ساعات أكثر من 16 ألف مرة، وشارك في حملة التأييد أسماء لامعة لكتاب ومثقفين سعوديين وغير سعوديين.
هناك بيئة حاضنة للاعتدال السني إذاً هي التي تمكنه من الإعلان عن رأيه والتعبير عنه بحرية تامة ويجد فيها سنداً ودعماً وتأييداً، وتجبر التطرف عند هذه الجماعات على الانزواء والانكفاء، وهذا الذي أجبر أحد الشيوخ الذي كفر القصبي ليلاً أن يعتذر ويسحب فتواه بسرعة.
البيئة الحاضنة هو ما يفتقده صوت «الاعتدال» في الجماعات الأخرى، فترى الصوت المعتدل من ينتقد التطرف وينتقد الإرهاب في التنظيمات الشيعية الإرهابية أصواتاً فردية معزولة محاربة لا تجد بيئة حاضنة تساندها وتؤيدها إلا من الجماعات الأخرى، فليس غير أسماء معدودة لا تزيد عن أصابع اليدين في العراق أو لبنان أوالبحرين أو السعودية ممن امتلك الشجاعة ولم يبالِ بعدم وجود هذه الحاضنة واختار أن يعبر عن رأيه وقناعته دون انتظار لها وانتقد التطرف الشيعي، حتى لو أدى الأمر إلى عزله هو، فمن هو الأكثر تطرفاً هنا وأكثر إرهاباً؟ داعش المحسوبة على السنة أم التنظيمات الشيعية الإرهابية المحسوبة على الشيعة؟
التطرف المحسوب على السنة يجد الرفض والنبذ والنقد على جميع المستويات، على مستوى الأنظمة وعلى مستوى النخب المثقفة وعلى مستوى علماء الدين وعلى مستوى المشاركات الشعبية، فالأنظمة الخليجية على سبيل المثال شريك أساس ورئيس في الائتلاف الدولي ضد داعش، تشارك من خلال سلاح الجو ومن خلال الدعم اللوجستي ومن خلال التمويل، لم يحل بين الأنظمة الخليجية والتصدي لداعش كون ذلك التنظيم يدعي أنه محسوب على السنة.
لكننا بالمقابل نجد الأنظمة المحسوبة على الشيعة كإيران والحكومة العراقية المحسوبة على حزب الدعوة الشيعي، لا يتصدون لإرهاب التنظيمات الشيعية المسماة حشداً ولا يوجهون كلمة نقد لتنظيمات شيعية متطرفة، ترتكب المجازر وبوحشية لا تقل عن وحشية داعش، بل يدعمونها ويساندونها، إنما نسمع عن خطورتها وتطرفها من الأجانب الذين عرفوها عن قرب كما صرح الجنرال ديفيد بترايوس أمس الأحد لجريدة الشرق الأوسط حيث أكد أن التنظيمات الشيعية أشد خطراً من داعش، وهو الجنرال الذي عاش في العراق وكان مسؤولاً عن تدريب قوات «الصحوات» أي القوات التي شكلها من العشائر السنية لمحاربة التنظيمات السنية المتطرفة.
لم يجد بترايوس صعوبة في تشكيل هذه القوات من العشائر السنية، فالتطرف كان منبوذاً في الحاضنة الشعبية لها، ولقيت قوات الصحوة كل التشجيع من شيوخ العشائر ومن الأهالي في المنطقة ومن الأعيان.
التطرف الشيعي هو الذي يجد بيئة حاضنة شعبية ورسمية مع الأسف سواء على مستوى الأنظمة أوعلى مستوى النخب أوعلى مستوى العلماء، يجد التستر ويجد غض الطرف ويجد الإنكار ويجد المساندة اللوجستية.
ولن تتمكن مجتمعاتنا العربية المسلمة أن تتخلص من آفة التطرف والتنظيمات الإرهابية إلا إذا تساوت البيئة والحاضنة للاعتدال -كماً ونوعاً- عند جميع الجماعات، إلا إذا وجد الصوت الشيعي الذي يجرؤ على نبذ الإرهاب والتنظيمات الإرهابية الشيعية بيئة شعبية حاضنة له تؤيده وتؤازره وتقر معه وتعترف بوجود انحراف فكري وتعري خواء تلك التنظيمات الفكري، ويصبح رفضها رفضاً جماعياً لا فردياً، حينها لا نحتاج إلى معالجات أمنية لمحاربة التطرف، بل سينكفئ هو من ذاته.