منذ بداية العام الجاري ووزارة الداخلية تعلن عن سلسلة من العمليات الاستباقية النوعية للكشف عن الخلايا الإرهابية التي تلاعبت بالأمن الوطني منذ العام 2011، ومازالت مستمرة. عملية تلو الأخرى تنكشف فيها الخيوط تلو الأخرى لتنكشف حجم المؤامرات ومدى الاستهداف الذي تتعرض له المملكة.
اللافت في العمليات الأمنية الأخيرة التي أعلنت عنها وزارة الداخلية أنها عمليات بينت حجم الارتباط التنظيمي بين خلايا البحرين ومركز إدارتها في إيران ومعسكرات تدريبها في العراق. والجديد أيضاً أن معظم الخلايا التي تم اكتشافها كان لها نشاط يستهدف إما عمليات إرهابية في المملكة العربية السعودية الشقيقة، أو تهريب الأسلحة والمتفجرات إليها للأغراض نفسها.
وزير الداخلية كان حريصاً على الكشف عن تفاصيل هذه الخلايا الواحدة تلو الأخرى، والهدف من ذلك إطلاع الرأي العام البحريني على الجهود التي يقوم بها رجال الأمن، والتعريف بحجم التحديات الأمنية التي تواجهها المملكة، وهي تحديات لا يمكن إلقاء مسؤوليتها على وزارة أو شخص أو مؤسسة باعتبارها مسؤولية وطنية جماعية. وهدف وزير الداخلية إلى إطلاع الرأي العام الدولي على استهداف البحرين والسعودية أمنياً من قبل إيران والعراق.
المفاجأة الأكبر كانت قبل أسابيع، عندما أحيل مشروع الميزانية الجديدة إلى مجلس النواب، حيث بدأ النواب بمناقشتها، والبحث في تفاصيلها، ومن ثم مراجعة الأولويات، والتأكيد على ضرورة الالتزام بتنفيذ برنامج عمل الحكومة باعتباره نقطة التوافق، وضرورة تحقيق المزيد من المكتسبات للمواطنين بما يساهم في تحسين مستوى المعيشة. وسط هذا كله ظهر اتجاه يسعى لتقليص موازنات بعض الوزارات والمؤسسات، وهذه عملية عادية، ولكن أن تطال عملية تقليص الموازنات وزارة الداخلية، فإنها فعلاً معضلة لثلاثة أسباب:
السبب الأول: القصور الكبير في فهم الدور الذي تقوم به وزارة الداخلية في حفظ الأمن والاستقرار، ومواجهة التحديات الأمنية، وفي مقدمتها الإرهاب وتنامي الجماعات المتطرفة.
السبب الثاني: التقليل من موازنة مؤسسة أمنية أساسية مثل وزارة الداخلية، يعني الحد من قدراتها وإمكانياتها الأمنية، وهي مسألة لا يمكن القبول بها في منطقة إقليمية تعصف بها الفوضى، وتتربصها قوى دولية وإقليمية، ويزداد فيها العنف والإرهاب والتطرف.
السبب الثالث: من الطبيعي عندما تشارك دولة ما في إحدى الحروب أو العمليات العسكرية الخارجية أن يتم تشديد الإجراءات الأمنية تحسباً لأي تداعيات محتملة، واليوم البحرين تشارك مع دول مجلس التعاون الخليجي في حربين لمواجهة الجماعات الإرهابية المتطرفة؛ الأولى ضد داعش في العراق وسوريا، والثانية ضد الحوثيين في اليمن لاستعادة الشرعية.
هذه مجرد أسباب ثلاثة بسيطة، تتطلب وقفة جادة من النواب الذين يسعون لتحقيق بعض المكتسبات للمواطنين على حساب المكتسب الأمني!
معظم النواب طرحوا في برامجهم الانتخابية أولوية الأمن، ولكن هذا المطلب انتهى الآن عندما أراد النواب تقليص موازنة المؤسسة الأمنية من أجل زيادة في الراتب لمجموعة من المواطنين لا تتجاوز 30 ديناراً، أو بناء مدرسة هنا وهناك، أو إنشاء عدد من المشاريع الإسكانية الإضافية. جميع هذه المشاريع مهمة، ولكنها تذهب أدراج الرياح إذا ضاع الأمن، لأنه إذا ضاع فلن يعود.
عندما نتحدث عن دعم النواب لوزارة الداخلية وميزانيتها المقترحة، فإننا لا نتحدث عن تقدير وشكر لرجال الأمن، بل نتحدث عن مسؤولية وطنية يجب أن يضطلع بها النواب فهي مسؤوليتهم الدستورية والسياسية. فكما هي مسؤولية وزارة الداخلية ورجال الأمن حفظ الأمن والاستقرار وهو ما قامت به وقدمت في سبيله تضحيات بالمئات، فإنها مسؤولية النواب أن يساهموا في زيادة الموازنة الأمنية، ولا أعتقد أن هذه المسألة بحاجة لنقاش طويل لأنها من أبجديات العمل البرلماني.