مع أن اجتماع اللجنة البرلمانية الحكومية المشتركة الذي عقد يوم 14 يونيو الجاري كان مخصصاً لبحث المبادرات الحكومية المتعلقة بإعادة توجيه سياسة الدعم، إلا أن الحكومة فاجأت ممثلي البرلمان بالذهاب أبعد بكثير من موضوع الدعم لتتحدث عن عمق الأزمة المالية التي تعاني منها البحرين، والآثار السلبية التي ترتبت على تأخر المعالجة لا بتنويع وزيادة الإيرادات ولا بتقليل المصروفات وحجم الدين العام.
تقول الحكومة: «لا يمكن إغفال حجم الأثر الناتج عن تدني الأسعار العالمية لبيع النفط على كل الدول النفطية التي تعتمد على هذا المورد الطبيعي كمصدر أساسي في تقدير موازناتها وتنفيذ مشاريعها ومن بينها البحرين، ومن هنا فإن المطلوب اليوم وأكثر من أي وقت مضى هو اتخاذ خطوات جادة وسريعة لكنها مدروسة من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية حتى نتمكن سوياً من خلال التعاون الإيجابي من تجنب أي تداعيات غير محمودة العواقب».
كلام الحكومة هذا يأتي مرسلاً وكأن أسعار النفط التي هوت بالنسبة للبحرين من أكثر من 100 دولار للبرميل حتى 45 دولاراً، وهوت بالإيرادات من 3 مليارات إلى حوالي مليار و700 مليون دينار، كأن هذا حدث اليوم ولم يحدث في شهر يونيو من العام 2014 أي قبل سنة، وأن الحكومة ردت وقتها على تساؤلات الناس عن مدى تأثر اقتصادنا بهذا الحدث الجلل، ردت في شهر سبتمبر وبعد صمت 4 أشهر أنها أعدت «الخطة الاقتصادية 2015-2016 لتطوير الوضع المالي وتنمية الإيرادات العامة وتنويع مصادرها وتشجيع الاستثمار في القطاع الخاص وتعمل على تحقيق الاستدامة المالية على المدى البعيد».
وفي ديسمبر 2014 طمأنت الحكومة الجميع من أن «أيه تطورات اقتصادية لن تؤثر على خطط التنمية التي تستهدف الارتقاء بحياة المواطن، وأن لدى الحكومة الخطط والاستراتيجيات التي ستتبناها للتقليل من تأثيراتها -انخفاض أسعار النفط- على البرامج التنموية، وأن التركيز في هذه المرحلة سيكون على دعم القطاعات الاقتصادية الفاعلة والعمل على إحداث تحسين في مشاركتها في المنظومة الاقتصادية المتكاملة».
فهل ما قالته الحكومة قبل 10 أشهر وما كررته من كلام مماثل في برنامج عملها كان للاستهلاك الإعلامي ومن أجل تمرير مجلس النواب لبرنامجها، فلا استراتيجيات ولا مبادرات ولا خطط ولا برامج إنما إصرار على تحقيق هدف واحد هو نيل موافقة النواب والشورى على المزيد من الاقتراض وزيادة الدين العام، حتى وقع الفأس في الرأس وتحققت التحذيرات العالمية والمحلية من مخاطر هذا التوجه عندما قالت الحكومة في الجلسة ذاتها: «إن أثر انخفاض أسعار النفط إلى جانب عدم اتخاذ أي خطوات حتى الآن في ما يتعلق بتقليل المصروفات وتنمية الإيرادات والبدء بتطبيق سياسة جديدة لدعم السلع الرئيسة والمواد الغذائية قد دق ناقوسه الأول من خلال تخفيض بعض الوكالات العالمية للتصنيف الائتماني للبحرين إلى (-BBB) مع نظرة سلبية الأمر الذي يعرض الوضع المالي للمملكة إلى ضغط غير مسبوق في ظل ما آل إليه الوضع المالي مع استمرار التوقعات بعدم تعافي السوق النفطية...».
فمن هي الجهة المسؤولة عما وصلنا إليه من حال لا تسر الصديق ولا تفرح العدو، ومن يوجه لها اللوم غير الحكومة في عدم تنويع وزيادة مصادر الدخل والإصرار على الاعتماد على مصدر وحيد هو النفط، ومن هي الجهة التي تتحمل المسؤولية كاملة عن تكبيل البحرين بمليارات الدنانير من الديون، وتأكيدها من أنه لا حل لتغطية المصروفات والعجز في الميزانية إلا المزيد من الاقتراض، والإلحاح على رفع سقف الدين العام إلى 7 مليارات دينار وتجاهل مخاطر ذلك على التصنيف الائتماني الذي وصل إلى مرحلة سلبية تؤثر على جذب الاستثمارات بالإضافة إلى الحيلولة دون القدرة على الاقتراض.
الجهة التي تلام وتحاسب على كل هذا هي الحكومة، والجهة التي يجب أن تحاسبها وتحملها المسؤولية هي السلطة التشريعية التي يجب أن ترتفع إلى مستوى الخطر والوضع المتدني الذي آل إليه الاقتصاد، ويبتعد رئيس وأعضاء مجلس النواب عن كونهم نواب خدمات يقبلون بأن ينهار الاقتصاد ولا «تمس الحكومة الدعم وتؤثر إجراءاتها على معيشة المواطنين».
على السلطة التشريعية «النواب والشورى» أن تمسك بزمام المبادرة وتقدم مشروعاً ملزماً للحكومة بالاعتماد أولاً على الإيرادات غير النفطية وبالتحديد على الضرائب وبإجراء تخفيض كبير في المصروفات المتكررة وإلغاء بند مصروفات المشاريع بالكامل والاكتفاء بمصروفات مشروعات برنامج الحكومة الممول من الدعم الخليجي.