مبارك عليكم الشهر.. دائماً ما نردد هذه التحية فيما بيننا بداية قدوم شهر رمضان الفضيل نستبشر بمقدمه ونتأمل منه كل الخير كيف لا وهو شهر الخير والبركات وشهر الدعوات والتقرب إلى الباري عز وجل فيه تكثر الصلوات وتتقارب النفوس وتصفى كل الخلافات وهو من يجمعنا على سفرة الخير في ليالٍ كلها ذكر للرحمن ومحبة فيما بين الإنسان، شهر رمضان الذي عرفناه صغاراً ومن بعدها كباراً هو رمضان الخير والعطاء، لكن الناس هي من اختلفت فرمضان الأمس كان مجالاً للاجتماعات والألعاب والسهر من بعد صلاة التراويح تنتشر العوائل وتزور بعضها البعض والأولاد يملؤون الساحات كل في لعبته مشغول وتتحول البرايح إلى مدارس لقراءة القرآن ومن بعدها يستعد الربع لفترة السحور ويبدؤون التجمع في بيت مسحر الفريج «بن ريحان» ويجهزون طبولهم وينظفون «فنارتهم» ويملؤونها بالجاز استعداداً للبدء بجولة السحور والطواف أولاً على «زرانيق الفريج» ومن بعدها الخروج إلى القضيبية والعوضية ورأس الرمان والفاضل ورحلة قد لا تنتهي إلا بقرب أذان الفجر والإمساك.
هذه صورة مختصرة عن ذلك الرمضان الذي تربينا عليه وكنا ننتظره مع كل مدفع إفطار لنتسابق إلى بيوتنا لنحجز لنا مكاناً حول سفرة الفطور، طبعاً كلنا نشارك في تلك السفرة بشراء متطلبات الوالدة -رحمة الله عليها- ومساعدتها في خبز الرقاق وتكسير السعف ووضعه تحت التنور ومن ثم نساعدها في ضرب الهريسة ونحجز منها القليل من الشوربة و«حكاكة» الهريس ونوزع معها المحلبية والكستر ونضع اللقاح في الماي ونبخر الماي، ونجهز كل ما يطلب منا ومن ثم نوزع على الأهل والجيران صحون الهريس والمجبوس والمحلبية والكباب وتشاهد قبل أذان المغرب قوافل من الناس تتسابق رايحة جاية كل يلقي بالتحية على الآخر ويذكره باللعب بعد التراويح والساحة التي ستجمعنا.
الجميل أنك لن تشاهد بين مجاميع البشر «شغالة» فكلنا اعيال الفريج وكلنا اعيال الديرة أولاد أخوة للبنات وما بيننا إلا كل محبة وتقدير واحترام، ذلك الرمضان كان فعلاً شهر المحبة والتسامح والخير، وكان شهر الرحمة ما بين الفقير والغني حيث توزع الصدقات ويفتح الغني مجلسه ويفترش سفرة الإفطار لمن احتاجها، كان الناس يدخلون البيوت ولا يجدون من يصدهم بل الكل يرحب بالآخر وينشد من ورائه الصدقة والبركة، وبعد الفطور وصلاة التراويح «انتشروا» نعم تجد الجميع خارج بيوتهم يتزاورون ويلعبون ويشاركون بعضهم البعض في اللعب والزيارات للبيوت والمجالس في الفريج.
اختلف رمضان اليوم فالناس لم تعد هي الناس فقبل رمضان الناس تبحث عن شراء أثاث جديد وتلفزيونات جديدة، وقد تكون سيارة يكشخ فيها والبعض يستعد للسفر في رمضان وآخرون يكدسون اللحم في «الفريزر» ويشترون حاجيات رمضان وما بعده وكأن هناك حرباً في الطريق والمضحك المبكي رغم كل هذا الإسراف في المصروفات تجدهم بالمقابل يجهزون طلباتهم للمطاعم لعمل الحلويات والسنبوسة والأكلات الرمضانية وكأن مطبخهم عاطل عن العمل وكأن الشغالة ستأخذ إجازة وتسافر إلى الأهل وبعد مدفع الإفطار شوية شوربة وكم لقمة ثريد وكبابتان وعصير والحمد لله ويبدؤون في رمي الأكل في الزبالة حتى الفقير لا يستفيد منه ولا يستفيدون أن يحصلوا منه على أجر بهذا الشهر الفضيل.. رمضان اليوم إسراف ومسلسلات وسهرات في الخيم ودورات رياضية.. هذا هو الاختلاف فيما بين رمضاننا الذي كان ورمضانهم الذي يمر بسرعة البرق فلا ذكريات ولا ألعاب ولا صعقير ولا ظلالوه ولا سيليلنقو ولا خشيشة ولا دحروي ولا لقفة.. ولا ولا محبة وتتحول كل حياتنا إلى مسلسل رمضاني قد يعجب البعض ويستفز البعض الآخر.. وعلينا وعليكم ينعاد الشهر.