من الواضح أن الزمن لن يتوقف طويلاً لمنح حزب العدالة والتنمية في تركيا الفرصة الكاملة لتشكيل حكومة ائتلافية، فمدة الـ45 يوماً التي يمنحها الدستور ستكون أكبر وأقسى على الحزب وقياداته، هذا في حال نجح في استقطاب أحد الأحزاب الثلاثة المعارضة.
من خلال تصريحات قيادات الحزب، يبدو أنهم استعدوا إلى مثل هذا اليوم، فيما بين التهديد المبطن بأن تركيا ستتمزق وستتحول إلى عراق ثانٍ نتيجة خسارتهم للأغلبية، كما جاء على لسان رئيس الوزراء المنتهية ولايته أحمد أوغلو، وهو تصريح مسالم إذا ما قورن بتصريحات أخرى أطلقها أعضاء ومحسوبون على «العدالة والتنمية» مؤداها رفضهم الواضح لنتيجة الانتخابات وعدم اعترافهم بأي من الأحزاب المعارضة، وهو ما جاء على لسان وزير الدفاع التركي عصمت يلماز، والذي صرح بأن الأحزاب الثلاثة المعارضة ليس لها الحق في تشكيل الحكومة (.....).
المواطن التركي أرسل رسالته إلى أردوغان و«العدالة والتنمية»، والتي مفادها أن الاتفاق مع السياسة الاقتصادية وضرورة تحسين فرص التعليم والصحة والحالة الاجتماعية؛ لا يعني عدم وجود خلاف بشأن الكثير من الملفات المتعلقة بالسياسات الداخلية والخارجية، ومحاولات إلباس الأتراك «عمامة» السلطان لم تفلح، وأن هذا الشعب قبل الإصلاح ورفض «الأخونة»، وهي الرسالة التي كان لها الوقع الأكبر على قيادة العدالة والتنمية، وحتى هذا التوافق الاقتصادي له من يخالفه من خبراء اقتصاديين يرون أن ما حققه أردوغان له وجه آخر قاتم كشفت عن جزء منه أزمة الليرة الأخيرة، ويتهم هؤلاء رجب وحزبه بإخفاء معلومات خطيرة عن الأتراك، أهمها ديون تصل إلى 390 مليار دولار لا يتم ذكرها، ويتهم هؤلاء الرئيس وحزبه بخداع الشعب بفقاعة اقتصادية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
ولعل أكثر ما أثار السخط على أردوغان كان التناقض الواضح الذي يتزايد بشكلٍ لم يعد من المقبول تمريره دون موقف حاسم، فرجب طيب الذي رفضت حكومته «استهداف» المتظاهرين في «رابعة» هي ذات الحكومة التي قتلت العشرات في ميدان تقسيم، حكومة أردوغان التي أعلنت نفسها قائداً للعالم «السني» هي ذاتها التي تلهث وراء إيران من أجل توقيع عقود تعاون اقتصادي بمليارات الدولارات، الحكومة التي تعلن ليل نهار محاربتها للإرهاب ونبذ التطرف الديني هي ذات الحكومة التي كانت ولاتزال تدعم بعض التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، وربما في دول أخرى.
تركيا أردوغان التي تباكت على اعتقال صحافي في القاهرة، وأعلنت حربها انتصاراً لحرية الرأي والتعبير، هي ذاتها التي أوقفت خدمات موقع التواصل الاجتماعي «تويتر». وهي ذاتها التي تتزعم محاربة الإمبريالية والصهيونية العالمية بينما تواصل تعاونها مع إسرائيل في صفقات عسكرية ومدنية تصل إلى المليارات.
وأردوغان الذي شن حرباً شعواء على مصر بسبب طرد الإخوان «المصريين» في مصر؛ تسامح وابتلع مجبراً إهانات إسرائيلية متكررة بلغت حد الوقاحة وواجهت تركيا ومصالحها في حرب مكشوفة ومباشرة وقتلت مواطنيها في السفينة «مرمرة».
أردوغان الذي يزعم وقوع مصر تحت الاستبداد وتكريس حكم الفرد هو الذي سعى إلى تحويل تركيا من دولة ذات نظام برلماني ديمقراطي إلى أخرى ذات نظام رئاسي ليضمن وجوده كحاكم أوحد بعيداً عن أعباء الرقابة والتوافق البرلماني والمشاركة السياسية.
كل هذه التناقضات إضافة إلى بعض المسلكيات المتعجرفة والتي اتسمت بالغرور والثقة المفرطة منحت خصوم أردوغان القوة لمواجهته وسلبه أغلبية تمتع بها لثلاثة عشر عاماً، حيث ساهمت في إحداث حالة من الصدمة والخشية لدى الناخب التركي، والذي رأي أن «السلطان» المتوج على عرش الدولة يسعى إلى بعث أمجاد العثمانيين، والذي يرى أنهم اندثروا إلى الأبد بظهور كمال أتاتورك.
- ورق أبيض..
حالة عدم الوضوح في الموقف التركي من قضية الملف النووي الإيراني لاتزال موضع تساؤل مهم، فتركيا، كما دول الخليج، هي جار حدودي لإيران، وبالتالي فإن خطر البرنامج النووي سيطالها عاجلاً أو آجلاً، لكن هذا الصمت المريب يضع كثيراً من الأسئلة برسم الإجابة.