ثمة ظواهر غريبة ترتبط وبصورة مفتعلة مع شهر رمضان المبارك، تتمثل أولها في انتهاز الفرص والاستغلال من قبل تجار المواد الغذائية بصفة عامة والخضروات والفواكه وغيرها من المواد الغذائية التي يزداد الطلب عليها في رمضان، فهؤلاء التجار المستوردون ومن ثم الباعة بالقطاعي ينتهزون حلول الشهر الكريم لزيادة أسعارهم وأحياناً مضاعفتها، وحتى لا يحتج أحد أو يتذمر يسارعون إلى توقيع وثيقة تعهد في ما بينهم بأنهم لن يزيدوا الأسعار في رمضان.
وهذا العام أعترف أنهم كانوا محقين في ما ذهبوا إليه عند توقيع وثيقة تعهدهم، فهم قالوا فيها إنهم لن يزيدوا الأسعار في شهر رمضان، ولكنهم لم يتعهدوا بعدم زيادة الأسعار قبل حلول شهر رمضان بأسابيع أو أيام وهم فعلوا ذلك من باب الخبرة ومعايشتهم لشعب البحرين الطيب الذي يستعد لرمضان من أول شعبان، ويبدأ بصرف كل ما في جيبه وربما يقترض أيضاً لشراء طلبات ومستلزمات رمضان، وما أن يحل الأول من رمضان حتى تكون الجيوب خالية ونظيفة، والثلاجات مكتظة إلى درجة الانفجار.
ويكون تجارنا الأفاضل المستوردون وأصحاب محلات السوبر ماركت و«المولات» وحتى بقالات الآسيويين بالأحياء قد أوفو بتعهدهم، فها هو رمضان الكريم قد حل في ميعاده، والناس بدأت تصوم وتتبادل الزيارات والتهاني بحلوله والأسعار ثابتة لم ترتفع فلساً واحداً بعد يومه الأول عن الأسعار التي كانت في النصف الثاني من شعبان على الأقل.
اللوم هنا يوجه لجمهور المستهلكين الذين يهجمون على الأسواق ويشترون بالكميات الكبيرة، وكأن الأسواق ستصبح فارغة وتحدث أزمة في الأول من رمضان، سلوك الجمهور هذا الذي لم يتغير منذ الأزل هو الذي يخدم التجار ويجعلهم يصدرون العشرات من التعهدات لعلمهم أن المستهلكين الصائمين سيعيشون الصيام قبل حلول رمضان بشهر وأنهم سيشترون بدون حساب..
واللوم الأهم والأكبر يوجه إلى وزارة التجارة وإلى إدارة حماية المستهلك التي تقوم ومنذ حوالي 45 عاماً برصد شهري لحركة الأسعار في الأسواق بأنواعها ومنها أسعار المواد الغذائية، وإعداد كشوف مقارنة بها، وفي السبعينات من القرن الماضي كانت هذه الإدارة تنشر تغيرات الأسعار شهرياً، ومنذ الثمانينات صدر حظر غير معلن على نشر هذه الأسعار، ربما مراعاة لمشاعر التجار وربما الأمر متعلق بزيادة الأجور حيث تضاعفت الأسعار عدة مرات والأجور زادت مرات قليلة، ونشر زيادات الأسعار سيؤدي إلى المطالبة بزيادة مماثلة في الأجور.
المهم أن إدارة حماية المستهلك مطالبة اليوم بنشر تقرير مقارن عن الأسعار في رمضان 2014 ورمضان 2015، فإن فعلت خدمت المستهلك وأوضحت لنا جميعاً حقيقة الزيادة في الأسعار وحقيقة تعهدات التجار في الشهر الكريم والمبارك.