في 16 نوفمبر 2008 أعلن الرئيس الأمريكي الجديد (آنذاك) باراك أوباما أنه سيغلق معتقل «جوانتانامو» سيئ السمعة والشهير بممارسات التعذيب المبتكرة، والذي زج فيه كل من «تشتبه» فيهم واشنطن «مجرد اشتباه» بانتمائهم لتنظيمات إرهابية أو يعتبرون مصدر خطر على الأمن القومي الأمريكي.
طبعاً منذ ذلك التاريخ وحتى الآن «كرر» باراك أوباما تصريحاته بشأن إغلاق المعتقل ثلاث مرات، رغم أنه أقر في عام 2009 بأنه من الصعوبة عليه إغلاقه على الفور. ومنذ ذاك التاريخ وحتى اليوم نشرت العديد من التصريحات على لسان معتقلين سابقين في المعتقل تشير لأنواع التعذيب الجسدي والنفسي، صنوف متنوعة من ممارسات لا ترتقي للأعراف الإنسانية، والمصيبة أن أغلب الموجودين لم يلاقوا محاكمات «عادلة»، بل بعضهم زج به في المعتقل لمجرد الاشتباه به.
لا تكاد دولة في العالم لم تتواجد جنسية من جنسياتها في هذا المعتقل، حتى في البحرين كان لدينا نزلاء هناك، ومؤخراً «وهي فضيحة ما بعدها فضيحة» للإدارة الأمريكية قامت محكمة استئناف أمريكية بـ«إلغاء» حكم إدانة بالتآمر على مواطن يمني أصدرته محكمة عسكرية في قاعدة جوانتانامو في عام 2008، أي أنه ألغي الحكم بعد 7 أعوام قضاها المعتقل في السجن الرهيب ولاقى فيها صنوف التعذيب والإذلال.
وكالة أنباء «رويترز» العالمية وعدد غير قليل من وكالات أنباء أخرى وصحف عالمية نشرت مؤخراً تصريحات لمعتقل سابق في جوانتانامو يدعى ماجد خان، كشف فيها عن استخدام أساليب الاعتداءات الجنسية وأشكال متنوعة من التعذيب لم تنشر في تقارير رسمية، إضافة لتهديدات بالضرب بمطارق ومضارب البيسبول والعصي والأحزمة الجلدية.
يكفي بحث سريع وبسيط على الإنترنت عن «جوانتانامو» لتكتشفوا فضائح الإدارة الأمريكية بشأن التعذيب وسجن البشر بدون تهم، وكيف تكون انتهاكات حقوق الإنسان الفعلية، وكيف أن ما يحصل في جوانتانامو حظي بإجماع دولي على تسميته بـ«وسائل التعذيب المطورة».
أيضاً مؤخراً نقلت واشنطن 6 يمنيين من المعتقل إلى عمان قضوا سنوات في السجن دون محاكمات، وأنها تنوي ترحيل 51 معتقلاً آخرين في فترة لاحقة إلى دول يتم التفاهم معها، ما يجعل في المعتقل 116 شخصاً تم اتهامهم بالإرهاب دون أية محاكمات.
الآن نقول بالنظر للسجل الأمريكي الأسود في شأن حقوق الإنسان، وتحديداً في سجون جوانتانامو وأبوغريب وغيرهما، وهذا طبعاً ما نشر، وبالتأكيد المخفي أعظم، نقول بأن على أمريكا أن تخجل حينما يأخذ بعض مسؤوليها في ممارسة «الفلسفة» على الدول الأخرى بشأن حقوق الإنسان. على أمريكا أن تخجل من التنظير في هذا الشأن وهي تنتهك بشكل صارخ كافة أعراف حقوق الإنسان، وفي شأن البحرين عليها أن تخجل من التدخل في شؤوننا في ظل وجود وثائق «ويكليكس» التي كشفت عن اجتماعات عقدها سفراء واشنطن في المنامة مع جمعيات متطرفة تبرر الإرهاب، وتخطيط موثق في الوثائق بشأن كيفية زعزعة أمن واستقرار البحرين.
وعليه حينما تهلل الوفاق ومن معها أمس لصدور تصريح أمريكي بشأن أمينها العام علي سلمان المتهم بتهم تدخل في إطار تهديد الأمن البحريني بالسلاح، ومناهضة النظام والتحريض على كراهيته، والتواصل مع جهات خارجية بهدف الإضرار بالبلد، على هؤلاء أن يستوعبوا نقطة واحدة مهمة تتمثل بأن من يحلفون بتصريحاتهم اليوم لو قاموا هم بفعل ربع ما فعلوه في البحرين داخل الأراضي الأمريكية لعرفوا كيف يكون «التعريف الأمريكي» لحقوق الإنسان في سجون جوانتانامو.
بالتالي هللوا ما شئتم، واحلفوا بتصريحاتهم، لكن في النهاية لن يحصل إلا ما تفرضه قوانين البحرين وهيبتها وسيادتها، لا أجنبي يقبل بأن يتدخل في شؤوننا، ولا ممارسون للتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان يقبل بأن ينظروا على غيرهم بشأنها.
قبل أن تتفلسف واشنطن عبر بعض مسؤوليها على البحرين بشأن محرضين وإرهابيين، عليها أولاً أن تخلي سجون جوانتانامو من المعتقلين بدون محاكمات، بل عليها تعويضهم على سنوات السجن الظالم والتعذيب وأن تحاكم ممارسي التعذيب، وأن تقدم اعتذاراً رسمياً للدول التي تضرر مواطنوها.
أوباما سيرحل، ومازال عاجزاً عن غلق هذا المعتقل، سيرحل وسيبقى السجل الأمريكي أسود بشأن جوانتانامو، لا يطهره أي شيء.