هنا أتحدث عن الحقوق والواجبات السياسية، وكيف أن المشروع الإصلاحي لجلالة الملك -الذي تمضي فيه مملكة البحرين- قد منح المواطن عديداً من الحقوق التي تندرج تحت مظلة الحريات والتعبير عن الرأي وحتى إنه أباح المعارضة بصورتها المثالية والصحيحة.
هناك خلط في المفاهيم حصل بفعل فاعل، وهذه النقطة سنفصلها لاحقاً أدناه، لكن في المقابل هناك نوعاً من عدم المعرفة لدى كثيرين بقوانين مباشرة الحقوق السياسية والحقوق المدنية وما يوازيها من واجبات، ولذلك بعض الممارسات يعتبرها البعض من مسماها تجاوزات وأساليب مناهضة للدولة والنظام، وهذا أمر غير صحيح.
لدينا في البحرين قانون للمسيرات والتجمعات، وفيه تم التأكيد على حق الفرد في التجمعات والاعتصامات السلمية، وحتى تسيير المسيرات المرخصة وفي إطار سلمي أيضاً، بغض النظر عن ما هي المسوغات، شريطة ألا تمس الأمن القومي أو تزعزع السلم الوطني أو تؤثر على سير الحياة العامة أو لا تنحرف لتنشأ عنها سلوكيات خاطئة، أو تلقي بالضرر على العامة من الناس.
وعليه حينما نقول بأن من حقك يا مواطن أن تتظاهر أن تعتصم أن تشارك في مسيرات، فإننا نتحدث هنا عن حقوق، هي في حد ذاتها وسائل كفلها الدستور، والهدف منها فتح الباب على مصراعيه أمام حرية الرأي المسؤولة وأمام الممارسات الحرة التي تدعم عملية الإصلاح في البلد.
هي آليات موجودة لكن للأسف لا يستفاد منها بصورة صحيحة. لا توجد أي مشكلة إذا كانت العملية تتم وفق معايير وضوابط قانونية، ويصدر عنها ممارسات راقية في التعبير عن الرأي، وتتم بتعاون وتنسيق مع أفراد الأمن وحفظ النظام أنفسهم، ومن خلالها يمكن للناس تقديم رؤاهم ومقترحاتهم للجهات المعنية، ويمكن للإعلام ممارسة دوره المثالي في تغطيتها والمساهمة في توصيل الرسالة.
في الدول الراقية تحصل كثير من الاعتصامات والمسيرات، حتى إن بعض القطاعات العمالية تقرر الاعتصام بطرق مبتكرة لا تعطل الحياة العامة أو تثير أزمة أمنية في البلد، كما حصل ذات مرة في اليونان حينما قام سواق التاكسي بالاحتجاج على السياسات التنظيمية بتعطيل عملهم لمدة ساعة واحدة فقط، وكما يحصل كثيراً في لندن، وغيرها من عواصم الدول الكبرى. حيث يشارك في هذه المسيرات أو الاعتصامات مواطنون ولاؤهم خالص للبلد، وأمنها واستقرارها بالنسبة لهم أولوية، لكنهم يفصلون بين طرق استخدام الحقوق وتقديم المطالبات، وبين أساليب إشاعة أجواء الإرهاب ومعاداة الدولة واستهداف الآخرين.
الآن لنرى كيف انحرف استخدام هذه الأدوات المكفولة دستورياً، بحيث أصبح فيها استحواذ لجماعات رأت فيها «مسوغاً» لارتكاب الجرائم ولإشاعة الإرهاب وممارسة شتى صور مناهضة الدولة واستهداف النظام وشق صف المجتمع.
بعض الجمعيات السياسية وبعض التحزبات استغلت هذا الانفتاح وحولت مفاهيم راقية أصيلة في الممارسة الديمقراطية كالتجمعات والاعتصامات والمسيرات إلى مرادفات إرهابية، بمجرد إيرادها يستوعب المواطن أهدافها ومضامينها، يدرك بأن القائمين عليها والمشاركين فيها هدفهم استهداف الدولة ومحاربتها والإساءة لرموزها.
وعليه نرى أن في كثير من هذه التجمعات، وإن حازت على تراخيص رسمية من الدولة، ممارسات إرهابية، وصدامات مع قوات حفظ الأمن والنظام، وشعارات مسيئة، وهتافات عنصرية استهدافية، وإشاعة لأجواء قلق ورعب وعنف. وحينما تقوم قوات الأمن بواجبها في حفظ النظام وحماية البشر والممتلكات العامة، يصيح أولئك الذين استغلوا هذه الأدوات وحرفوها عن مسارها الصحيح وسياقها الحقيقي بأن هناك تضييقاً على الحريات ومصادرة للحقوق المكفولة دستورياً.
الحق واضح والزيف واضح تماماً، ولأن هناك عدم استخدام صحيح لهذه الأدوات المكفولة دستورياً من قبل المواطنين المخلصين الأسوياء (وهي حق من حقوقهم) فإن هناك من يستغلها ليغطي بها عداءه للدولة وليمارس هوايته في الإرهاب والإفساد في الأرض.
حينما تترك الأدوات الصحيحة ليستغلها ذوو الأجندات والأطماع والكارهين للدولة، فإن نزاهة هذه الأدوات تضيع، والنوايا الطيبة من وراء إيجادها تقود إلى نتائج خبيثة.
كمواطن أعي حقوقي وأدرك واجباتي أقول بأن مشروع ملكنا الإصلاحي كفل لنا عديداً من الممارسات الحقوقية ومنحنا أدوات تعزز الحرية، ولذلك فإن من حقي استخدامها في إطارها الصحيح، من حقي الاستفادة منها لإيصال صوتي إزاء أي ظواهر خاطئة أو سياسات لا تخدم المواطن أو قرارات ومواقف لا تعبر عن المواطن. ومن حقي بل واجبي ألا أتركها لمن في نفسه مرض ليستغلها في ممارساته الخارجة على القانون.