أكثر صورة جميلة بقيت مرسومة في مخيلتنا - وتجعلنا نقول إن أهل هذا البلد بخير مادامت خصالهم وقيمهم قائمة حتى اليوم - تلك الصورة التي كنت أشاهدها صغيراً في فرجان البحرين، لكن بعضها مازال قائماً حتى اليوم.
ففي عصر شهر رمضان المبارك تشاهد الأولاد والبنات يجوبون الفرجان وكأنها خلية نحل، كل واحد منهم يحمل من الطعام ما قسمه الله ويذهب به (بعد توصية قوية من الوالدة: لا يطيح الصحن، بيت فلان اللي بابهم لونه كذا سمعت).
وأذكر أني ذات مرة أخذت دشاً من (الزف) حين كنت في زيارة لبيت عمتي، وقالت لي اذهب، ذهبت لأخذ (لصحون) من بيت فلان، فأعطوني إياهم وذهبت بهم إلى بيت عمتي، لكن عمتي فاطمة (رحمها الله رحمة واسعة) وبختني بشدة، وأنا أنظر إليها باستغراب ولا أفهم لماذا هي غضبى، فقالت لي: (هذيلة مو اصحونا، ما تعرف ان اصحونا مكتوب وراهم حرف كذا)؟
قلت لها (وانا اشدراني، يوم عطيتوني الصحن كان مغطي، وخذيته لبيت فلان، يعني اطل على قاعة الصحن)..؟!
رحمها الله رحمة واسعة، كانت بمثابة الأم والمربية وكان قلبها رحوماً عطوفاً، كانت أغلب الفرجان في البحرين، وفي المحرق وغيرها من المدن والقرى كذلك، تصبح وكأنها خلية نحل، تأخذ طبقاً لبيت جيرانك، (وجيرانكم الآخرين جايبين لنا طبق هريس)، وهكذا، حالة من التراحم وحالة من التكافل ومن الرحمة والإنسانية الجميلة، رغم أن الحال كان ضعيفاً، إلا أن النية والسريرة طيبة، وسبحان الله كانت البركة موجودة.
ربما هذه الصورة مازالت باقية في أماكن كثيرة من البحرين حتى اليوم، أما (الأماكن الهجينة) فكل واحد يغلق عليه بابه، ولا يدري عن جاره، ولا يعرف جاره من يكون أصلاً.
ذهبت بعيداً بعض الشيء، غير أني أريد أن أصل إلى مكان آخر، ففي شهر رمضان المبارك تزداد الصدقات والتبرعات والبعض يخرج زكاته في رمضان، هذا الأمر طيب ويفرح القلب، غير أن السؤال المرير الذي أخذ الناس يتداولونه، إلى أي جمعية أتبرع؟
إلى أي صندوق أذهب بالزكاة أو الصدقة؟
تشابهت علينا الأمور، أصبح الإنسان منا في ريبة من أمره، هل أموالي حين أعطيها الجهة الفلانية تذهب إلى المستحقين أم تذهب إلى أماكن أخرى؟
لا ريب ولا شك في أن هناك مخلصين، وهناك بعض الجمعيات والصناديق تخاف الله، وتؤدي الصدقات إلى مستحقيها، هذا لا شك فيه، غير أن الأمر أيضاً يحتاج من المتبرع إلى تدقيق، فهو مسؤول عن أمواله وعن تسليمها إلى الجهة الصحيحة.
ظهرت بعض الظواهر المقيتة في مجتمعنا، وصارت سمعة بعض الجمعيات سيئة بسبب أنها تذهب بالصدقات (باتجاه عنصري) وهذا مناقض للدين وللفطرة وللإنسانية، فالمقياس هو حاجة الأسرة، وليس الأسرة تنتمي إلى من، وهو أمر مؤسف حقاً، خاصة إذا كان الفاعل يتدثر بالدين.
هذه القضايا جعلت مجموعات لا تنتمي إلى جمعيات دينية ولا سياسية ولا إلى صناديق خيرية، تقوم بدور الوسيط، هذه الجماعات من الشباب والشابات يقومون بحصر المحتاجين، ويذهبون إليهم ويشاهدون أوضاعهم، ويحصرون ما تحصل عليه الأسر من مساعدات من الدولة أو الجمعيات، وإذا وجدوا أن الأسرة تحصل على مبلغ قليل، وجهوا الناس إلى عنوانهم ليعطوهم المعونة.
بمعنى أن هذه المجموعات لا تأخذ المال من المتصدق، وإنما توجهه إلى المحتاجين فقط، وهو الذي يذهب إليهم ويتبرع بنفسه.
وهذا عمل طيب، خاصة أن النية طيبة، وأن من يقوم بهذا العمل لا يقبل الأموال من أحد، وإنما كل ما هنالك هو إعداد قاعدة بيانات للمحتاجين بعناوينهم وأرقام هواتفهم.
لا أبالغ إذا ما قلت إن الكثير من الناس أصبح يحتار إلى من يتبرع، أزمة الثقة هذه تسببت بها جمعيات بعينها، وجعلت الناس يرتابون في تحويل مسار الأموال باتجاهات غير التي أرادها المتصدق.
أصبح من الأفضل أن يذهب الإنسان منا إلى المحتاج بنفسه ويوصل إليه ما قسمه الله، هذا أفضل وأكثر أجراً، لكن هناك من رجال الأعمال أو الميسورين من لا يملك الوقت لذلك، من هنا ندعو الجميع إلى أن يجتهد في إيصال الأموال إلى الجمعيات أو الصناديق التي ليست حولها شبهات.
نلمس ولله الحمد أن الكثير من أهل البحرين يخرج أمواله بسخاء، ويتصدق ويزكي دون أن يخشى الفاقة، وهذه صورة جميلة من صور أهل الخير بالبحرين.
كل زكاة وكل صدقة يخرجها الإنسان، فإن الله يعيدها إليه أضعافاً، وهذا ولله الحمد مجرب، ومن لا يصدق، فليجرب بنفسه، المبلغ الذي تخرجه يعود إليك مضاعفاً من أبواب أخرى، ويكفي أن الصدقة والزكاة من أسباب الصحة، وهي أعظم نعمة على الإنسان، والصحة لا تشترى بالمال.
** ماذا عن ارتفاع الأسعار..؟
أتمنى على وزارة الصناعة والتجارة وعلى الحكومة الموقرة أن تتم مراقبة أسعار السلع والخضروات، ففي رمضان هناك من يستغل الأمر ويرفع الأسعار، ويبالغ في ذلك.
بحسب بعض الإخوة فإن أسعار الخضروات أخذت تصعد تدريجياً قبل رمضان بأسبوع، بمعنى أن الأسعار ستصبح ناراً ابتداء من الخميس القادم..!
إذا كانت الرواتب لا تزيد، فأقل ما يمكن عمله هو كبح جماح التلاعب بالأسعار، فالزيارة لمحل الخضروات تجعلك تصاب بالذهول، كلما سألت عن سعر سلعة بسيطة، إما أن يقول لك دينار، أو دينار ونصف..!
أتمنى على المسؤولين أن يقوموا بدورهم، وأتمنى على تجار الجملة للخضروات أن يحددوا أسعار الخضروات مع الجهات الرسمية بوزارة الصناعة والبلديات، حتى تصبح الأسعار ثابتة ويعلمها الجميع.