واهم من يظن بانتهاء نموذج «العدالة الكونية» الإيراني مع انقضاء حكم أحمدي نجاد، والذي كان يقسم العالم إلى معسكرين؛ معسكر الخير ومعسكر الشر. صحيح أن روحاني في سياسته الخارجية معتدل بالمقارنة مع الرئيسين السابقين، ولكن العقل الجمعي الإيراني قد تشكل على هذا النحو، وتنشأ على ضرورة أن يكون للعالم قطب شر لطالما كان الخير والفضيلة والشرف في موطنهم «إيران».
إن أهم ما يميز سياسة روحاني أنها تسهم إلى حد ما في تحسين علاقة إيران بالنظام الدولي، ولعل هذا بات جلياً مع مستوى ما تم التوصل إليه في مسألة «الاتفاق النووي». لطالما كانت أمريكا «الشيطان الأكبر».. نعم، ولكن هذا الشيطان تم ترويضه وإدراجه ضمن قوائم الأصدقاء أو الحلفاء المحتملين، وقد ظل كرسي الشيطان شاغراً، الأمر الذي لا بد أن يبحث له النظام الإيراني عن مخرج ما أمام أتباعه ومؤيديه في الداخل والخارج.!!
بقدر ما كانت «عاصفة الحزم» مهمة وضرورية لاستعادة الشرعية في اليمن، وتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، والحفاظ على استقرار الخليج العربي والنأي به عن المهددات الأمنية، بقدر ما كانت رصاصة الرحمة التي أطلقت على إيران، فبوأت السعودية منزلة «الشيطان الأكبر»، لتروج كذباً أنها قوة غاشمة معتدية تسفك الدماء وتنتهك حقوق الإنسانية، ولاشك أن دول الخليج العربي الأخرى «كتاكيت الشيطان» سيطالها مما سبق نصيب وافر.
عندما نواجه إعلاماً قوياً كالإعلام الإيراني الذي يخفي خواء بلاده الداخلي وقدراتها المتهالكة، ونتفرج بكل ما نملك من قوى على صنيعه مكتوفي الأيدي لا نملك حتى خطاباً، حتى توضيحاً ما لبعض الحقائق، فإننا لن نخسر المعركة وحسب، وإنما سنتجرع يوماً -لا أراه بعيداً- تتسيد فيه إيران المنطقة لتغدو الثقل الدولي المتزن، لاسيما مع ذلك الاعتدال «الروحاني» الطارئ على السياسة الخارجية الإيرانية والتفاعل الدولي، لاسيما مع سحب البساط الأمريكي ومظلته الأمنية من الخليج العربي بصورة غير مباشرة، ولكنها بينة ظاهرة.
لا تنقصنا الكفاءات الإعلامية في الخليج العربي، ولا تنقصنا الإمكانيات لوضع استراتيجية تقابل الاستراتيجية الإيرانية، بل وتتفوق عليها، لا يمنعنا شيء من ممارسة إعلامنا لسياسة دولته وإقليمه بطريقة تعبر عنهما وتمنحهما الوزن الذي يستحقانه في المجتمع الدولي، ولكننا نفتقر للإيمان بدور الإعلام، ونتضور خيبة فلا نجد لقمة إرادة تمنح الضوء الأخضر للإعلام الخليجي أن يتحرك؛ لنسد جوع موقفنا المزري أمام العالم الذي يتضور هو الآخر بحثاً عن حقيقة دامغة، فلا يتلقفه إلا إعلام إيران. لم يكن يجب أن يكون إعلامنا دفاعياً ولا رد فعل، ولكننا وقعنا في المأزق وقضي الأمر، ونتعرض لتأليب الرأي العام ضدنا، فهل سننتظر أن يقضى أمر الخليج العربي برمته كذلك؟
قبل يومين فقط، نشرت مقالاً حذرت فيه من مخاطر غياب الإعلام التعبوي، فضلاً عن ضرورة تدوين ذاكرة التاريخ الخليجي، وأكدت على أنه ليس ثمة شك في استغلال الخصم لصمتنا الطويل ليوظف أدواته في تشويهنا وتقزيمنا، وقبله بأسبوع تطرقت لأهمية الدعم المعنوي للجنود على الجبهة، وفي الوقت الذي لا يلقى فيه أبطالنا دعماً ما، تصلهم تلك الصور المشوهة، ولاشك أنهم على اطلاع بتصوير المعركة على أنها حرب الشيطان.
في تصريح للدكتور محمد السلمي، خبير الشؤون الإيرانية، نشره الجمعة في صحيفة المواطن السعودية؛ أشار إلى أن من جملة أهدافه من إنشاء حساب «شؤون إيرانية» عبر موقع تويتر «أن ينقل ما يدور في الداخل الإيراني في سبيل تطرق الإعلام له والبحث فيه، إلا أن ذلك لم يحدث».!! ومازال جميع المراقبين والمحللين والمهتمين بانتظار خطوة يباركونها فلا يجدون إلا اللظى.!!
- اختلاج النبض..
على الخليج العربي أن يدرك أن كرسي الشيطان شاغر في إيران، وأنه الأنموذج الأمثل لاستغلال شغله في الساحة الدولية، وما لم يتخذ خطوات جادة لمحاربة ذلك المد العاصف بمستوى مضاعف على حزمه وحسمه في اليمن، لن يبقى للعالم كله سوى تهنئته على ذلك الكرسي، تهنئة لا تليق إلا بالشياطين، ليتعوذ منهم العالم أجمع، بتمتمات حديثة تتصدرها العقوبات والحروب، إعلامية وقانونية وعسكرية.