انشغل الرأي العام البحريني خلال هذه الفترة بموضوع تقليص مصروفات الميزانية العامة للدولة، وكان موضوعا دعم اللحوم وملاعب الكريكيت هما المتصدران في حلقات نقاش المواطنين، مما شتت الانتباه عن مواضيع أكثر أهمية تلتهم أجزاء كبيرة من الميزانية العامة للدولة سنوياً؛ مثل كيفية إدارة المسؤولين في الجهات الحكومية للميزانية وصرفها وضمان تنفيذ مشاريع وخدمات يستفيد منها المواطن فعلياً، لا أن تكون شكلية أو ترفيهية، أو يحول جزء منها إلى جيوب بعضهم أو جيوب «من يعزون عليهم» بشكل ملتوٍ وغير مباشر.
وبغض النظر عن التناقض الحاصل في أقوال عضوي مجلس النواب محمد العمادي وخالد الشاعر بخصوص مقترح إنشاء ملاعب الكريكيت، وسواء أكان مدرجاً في برنامج عمل الحكومة أم لا، وبغض النظر أيضاً عن أن إعادة توجيه دعم اللحوم سيضمن استفادة المواطن فقط لا الأجنبي؛ فإن السيناريو الذي مر علينا كبحرينيين طيلة الفترة الماضية أظهر أن هناك تخبطات تحصل في ما يخص التخطيط لمشاريع وخدمات الدولة القادمة، وأن فقه الأولويات وضروريات المواطن البحريني في المرحلة القادمة قد يبدو غائباً عند البعض.
الدين العام في مملكة البحرين يقترب من الـ6 مليارات دينار، مما يعني أن هناك حاجة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى في إعادة تخطيط برنامج عمل الحكومة وتقليص المصروفات التي لا تندرج في خانة الضروريات بل الكماليات والشكليات.
وقد تكون توجيهات تقليل المصروفات التي أطلقت لجميع الجهات الحكومية جميلة وبراقة وتأتي في الصالح العام، لكن علامة الاستفهام هنا؛ هل جميع المسؤولين بالدولة لديهم التزام بفقه الأولويات هذا؟ هل سيترك «البعض منهم» ما دأب عليه سنين طويلة في صرف الميزانية وفق ما يراه ضرورياً ويزيد من وجاهته وسلطانه، وقد لا يكون ضرورياً ومهماً عند المواطن كونه لا يستفيد منه؟ هناك الكثير من الفعاليات والأنشطة المكررة التي تصرف عليها مبالغ فلكية لتلميع شخوص المسؤولين، وهي بالأصل حتى من ناحية حضور المواطنين لها ضعيفة وغير ذات جدوى، وإن حضرها مواطنون فنصفهم موظفون في هذه الجهة والنصف الأخرى وجوه مكررة، أي أنها لا تستقطب أي شرائح مجتمعية جديدة، كما أن هناك أيضاً فعاليات تختص بفئات معينة أو الأجانب.
إن تداول مقترح إنشاء ملاعب كريكيت، سواء أكان مدرجاً في الميزانية أو برنامج عمل الحكومة «مجرد اقتراحه يعني»، يعكس أن بصيرة الأولويات بالنسبة لتوفير الخدمات التي تهم المواطن غائبة، ومثال توضيحي نفترض أن ميزانية الدولة لا تعاني من أي دين عام، السؤال هنا؛ هل لعبة الكريكيت هي اللعبة المفضلة بالنسبة للبحريني أساساً؟ إن كنا مهتمين بفتح أنواع جديدة من الرياضات التي توجد مزيداً من الترفيه للمواطن البحريني، لماذا لعبة الكريكيت وليست رياضة التنس أو الغولف أو التايكوندوا مثلاً، خاصة أن الأخيرة تحوي بعداً أمنياً مهماً؟ أوجدوا الألعاب الرياضية التي تدخل في حيز اهتمام المواطن ثم أوجدوا بعد ذلك أنواعاً أخرى من الرياضات من باب المزيد من الترفيه للمواطن وللأجانب حتى، الكل انشغل بمناقشة ميزانية عشرة ملايين لملاعب الكريكيت ولم يفكر أحد في أراضي الملاعب، ولماذا لا تخصص للمشاريع الإسكانية والخدماتية كونها من الضروريات اليوم عند المواطن وتواكب توجه تقليص المصروفات والالتفات إلى المشاريع الضرورية؟
نأتي للشق الثاني من السؤال؛ هل «بعض» المسؤولين في الدولة والذين يغردون خارج سرب الانضباط المالي والإداري سيعملون خلال المرحلة القادمة على إنهاء عصور الفساد وإنهاء عهود التعاقد مع شركات وجهات معينة تتبع أقرباءهم وأصدقاءهم وبينهم مصالح مشتركة دأبوا منذ سنين على الاتفاق معهم، وجعل مبالغ المصروفات في التعاقد مضاعفة «حق يفيدونهم مادياً ويستفيدون معاهم»، بحيث يقدمون المصلحة الوطنية على مصالحهم الخاصة؟ «بعض» المسؤولين عندما يشرع في تنفيذ مشروع أو خدمة للمواطن يبحث عن جهات تتبع أقاربه وأصدقاءه وتخدم مصالحه بالباطن وبشكل ملتوٍ على القانون، دون أن تكون وراءه جهه تدقق عليه وتحاسبه؟ هل نحن جادون أن تكون المرحلة القادمة للبحرين مرحلة يحصل فيها المواطن على خدمات فعلية تفيده دون أن يمر خلال تنفيذها سيناريو ملء الجيوب الخاصة للمسؤول القائم عليها أو أصدقائه أو أقاربه؟
هل هناك خط رجعة؛ بحيث يتم التأكد فعلاً أن هناك مسؤولين لا يقومون بتصرفات شخصية ومحسوبيات ضاربين بعرض الحائط كل هذه التوجيهات؟ يدرك الكثير من الموظفين الذين يعملون في الجهات الحكومية أن هناك مسؤولين تغيب عنهم الرقابة الإلهية، بمعنى ضميره الوطني ميت أصلاً، ولا حل معه سوى أن تكون وراءه عصا رقابة متمثلة في الجهات الرقابية والإدارية بالدولة.
النواب اليوم وديوان الرقابة المالية والإدارية عليهم مهمات إضافية، ومطلوب منهم تكثيف الرقابة أمام سارقي المال العام للدولة وحرامية الميزانيات بالباطن، والتشديد على أن أي مشروعات قادمة للدولة يجب أن تخضع للتمحيص والتدقيق لإنهاء سيناريو المسؤول الذي يتعاقد مع شركات معينة وبشكل متكرر، حتى وإن كانت الأسعار مبالغاً فيها، مقابل شركات وجهات تقدم خدمات ومشاريع بجودة مماثلة بأسعار أقل، كما عليهم أن يقطعوا الطريق أمام من يحسب أنه خارج دائرة الضوء وفي قوقعة لا يطاله القانون إن كنا جادين فعلاً في ألا يقفز الدين العام إلى ما بعد الـ6 مليارات خلال السنوات القادمة لا سمح الله.
- إحساس عابر..
بخصوص حادثة تسمم سعوديين في إيران، وما كشف من أن الفعل متعمد، الحادث يحمل عبرة لمن يود أن يعتبر، هل تفكر شيعة العرب عندنا بالخليج الذين يطبلون لإيران باستمرار كيف حاولت قتلهم بالمبيدات الحشرية وكأنهم حشرات عربية لا بشر؟ لم تحتل الأراضي العربية؟ وانظروا كيف تنظر إليكم وتعاملكم فكيف إذا نجحت مخططاتها واحتلنا؟. إيران تعادي العروبة، وقبل أن تسمم السعوديين سممت عقول شيعة العرب بمخططاتها الصفوية، ولم يحصدوا منها أي مكتسبات سوى لقب «خونة أوطانهم العربية» في التاريخ العربي.