من الواضح أن هناك بعض الخطأ من قبل البعض في قراءة الميزانية العامة بشكل صحيح، رغم أن نية بعض الأخوة النواب طيبة في ذهابهم إلى تقليص ميزانية بعض المشروعات أو إلغائها.
إلا أن هناك أموراً في اعتقادي تحتاج إلى زيادة دعم، وليس إلى تقليص، حتى وإن كان الهدف هو تقليل الاقتراض وبالتالي تحجيم الدين العام.
اطلعت أمس على مقترحات الأخ النائب عادل حميد حول تقليص الميزانية وتوفير مبلغ يقدر بـ 350 مليون دينار، المقترح ليس سيئاً، بل جاءت من خلاله أمور طيبة خاصة فيما يتعلق بملايين لبناء السفارات وبيوت السفراء وتجديد الأثاث، ففي هذه النقطة نتفق مع الأخ النائب، حتى موضوع فصل حسابات شركة نفط البحرين والذي وضعت له ميزانية خيالية قدرت بـ 148 مليون دينار (شكل هذه الحسابات مرتبطة سيامياً مع بعض)..!!
نقاط كثيرة بالمقترح كانت جيدة، غير أني أختلف مع النائب في موضوع إلغاء مشروع مدينة عيسى الرياضية بالكامل، هذا الأمر ليس فيه رؤية بعيدة المدى مع احترامنا وتقديرنا للسادة النواب، نعم إذا أنتم تريدون إلغاء ملاعب الكريكيت وإسنادها إلى القطاع الخاص لتمويلها هذا أمر طيب، إلا أن إلغاء مدينة عيسى الرياضية بالكامل أعتقد أنه قرار خاطئ بامتياز.
معلومة سريعة بالمناسبة، فقد حقق استضافة البحرين لبطولة كأس الخليج للكبار، وكأس الخليج للمنتخبات الأولمبية لكرة القدم مداخيل على البلد تقدر بـ 45 مليون دينار بسبب بيع حقوق النقل، وكل بطولة لم تتجاوز 12 يوماً، من هنا نقول إن هناك نقصاً في الرؤية، فالرياضة استثمار حقيقي إذا ما وضعنا الأسس الحقيقية لذلك.
حين قلت بالأمس إنه لا توجد رؤية لموضوع دعم المشاريع التي تحرك الاقتصاد الوطني فذلك صحيح، ففي الميزانية العامة هناك مبلغ 6 ملايين دينار لإقامة مشاريع سياحية (غير معروف طبيعة المشاريع) غير أن النواب يريدون تقليصها إلى النصف لتصبح 3 ملايين.
وفي تقديري هذا خطأ أيضاً، فالبلد تحتاج إلى مشروعات سياحية كبيرة، وحين تتم هذه المشاريع فإن الفائدة تعم على كل أوجه الاقتصاد الوطني.
مشاريع السياحة تحتاج إلى مضاعفة الرقم فوق 6 ملايين، وليس تقليص الإنفاق ليصل إلى 3 ملايين، بالإمكان توفير مبالغ من أماكن أخرى، لكن كل ما يتعلق بالاقتصاد يجب أن يدعم وتزداد ميزانيته، هذا إذا فكرنا في زيادة موارد الدولة.
اطلعت على تصريحات الأخ الدكتور عبد العزيز أبل، وهو أحد الكفاءات الوطنية المحترمة والتي لها خبرة في المجلسين، ويستطيع أن يقرأ الميزانية العامة بشكل مختلف وذلك بسبب فارق الخبرة، وبسبب التخصص.
أبل قال أمس عطفاً على اجتماعات النواب والشورى بالحكومة لمناقشة الميزانية العامة: «تم الاتفاق على عدد من الأولويات مع الحكومة منها: عدم المساس بمصالح المواطنين وخاصة ذوي الدخل المحدود، وعدم المساس بأي من المواطنين في موضوع إعادة توجيه دعم اللحوم».
وقال الدكتور عبد العزيز أبل: «إن وزير الإسكان لم يطلب زيادة ميزانية الإسكان، وإن الحديث يدور عن رفع ميزانية بعض الوزارات ككل وليس فقط الإسكان».
في حديث الدكتور أبل استوقفتني معلومة مهمة يجب الالتفات إليها، وهي: زيادة مخصصات أي وزارة مرتبط بقدرة الوزارة على الإنجاز في المدة الزمنية المحددة (عامان)، وحين لا يكون ذلك، يصبح وكأننا وضعنا الأموال في غير مكانها وعطلنا مشروعات أخرى».
وهذه الفكرة صحيحة، بمعنى لو ضخت ملايين كثيرة في وزارة الإسكان (وهي تحصل على دعم خليجي لإقامة مشروعاتها) دون أن تكون هناك قدرة على إنجاز بناء مدن وبيوت إسكان في فترة العامين، فإن وضع هذه الأموال في هذه الوزارة وكأنه تعطيل للتنمية.
إذا كان توجه اللجنتين الماليتين بالنواب والشورى إلى تقليص المصروفات في الميزانية العامة كما قال الدكتور أبل بمقدار 250 مليون دينار لسنة 2015، و650 مليون دينار لسنة 2016، إذا كان هذا التوجه قائماً (والدكتور قال إن هذا الأمر مطروح ولكنه ليس نهائياً حتى الآن) فإن هذا العمل يعتبر عملاً طيباً من قبل اللجنتين الماليتين، ويجب البناء عليه.
وأعتقد جازماً، إذا ما تمت قراءة الميزانية العامة بصورة دقيقة أكثر، فإن هذا الرقم مرشح للزيادة، وحين يفعل النواب والشوريون ذلك فإنه إنجاز للبحرين وأهلها وليس إنجازاً للسلطة التشريعية وحسب.
عمل اللجنتين الماليتين هو عمل وطني بامتياز، فالمجاملات ليست مطلوبة، وياما ضيعتنا المجاملات، ومع احترامنا لجهود وزارة المالية، إلا أن هناك نقصاً شديداً في تحديد الأولويات، وهناك ميزانيات توضع في غير مكانها، بينما نقول للناس سنعطيكم 5 دنانير بالشهر (تشترون لحم).
هناك أيضاً ملاحظة أتوقف عندها في تصريح الدكتور أبل، فحين قال: (تم الاتفاق على عدم المساس بحقوق المواطنين في إعادة توجيه اللحوم، وقال كل المواطنين) فإن السؤال هنا كيف سيحدث ذلك؟
التعويض زهيد، بينما المواطن من (الطبقة الوسطى المطحونة) لن يحصل حتى على 5 دنانير؟
وهذا يخالف ما طرح من أن للجنتين الماليتين اتفقتا مع الحكومة على عدم المساس بمصالح المواطنين، لذلك الأمر يحتاج إلى توضيح، ما هي الإجراءات التي ستتخذ لضمان عدم تأثر الطبقة الوسطى من إعادة توجيه الدعم؟
أعود وأقول للإخوة النواب والشوريين، إذا كانت هناك مشروعات لتحريك الاقتصاد، ولرفد القطاع السياحي بمشروعات عائلية تجذب السائح الخليجي فيجب دعم وزيادة مخصصات هذه المشاريع، وليس العكس، التخفيض والتقليص يجب أن يطال أماكن أخرى هذه الرؤية التي نريد أن نراها تتحقق من أعضاء السلطة التشريعية.
** نعم ليست وزارة توظيف..!
أتفق كثيراً مع ما قاله الأخ الكريم وزير التربية والتعليم الدكتور ماجد النعيمي في مجلس النواب، خاصة نقطة أن وزارة التربية والتعليم ليست وزارة توظيف، وزارة التوظيف هي وزارة العمل، ومن أراد وظائف فليذهب إلى وزارة العمل وليس إلى وزارة التربية والتعليم.
الجمعية الانقلابية وضعت ضمن مخططاتها الاستيلاء على وزارة التربية من الداخل تم لها ما أرادت، كما فعلت قبلها جمعية سياسية أخرى (يقال إنه يجرى تفكيك منظومتها حالياً) كل هذا استهداف للأجيال، وللاستيلاء على العقول وتسميم العقول، من هنا فإن أخطر وزارة تطلع بمستقبل الأجيال هي وزارة التربية والتعليم.
حتى وإن انتقدنا أموراً كثيرة في وزارة كبيرة مثل التربية والتعليم، إلا أن موضوع تعيين المدرسين يجب أن يخضع إلى معايير صارمة ودقيقة رضي من رضي، وسخط من سخط، أول هذه المعايير هو المعيار الوطني، ذلك لما للمدرس والمدرسة من دور وطني كبير في تشكيل شخصية الطالب.
المعيار الوطني والانتماء إلى هذه الأرض وعروبتها والولاء لقيادتها، هو المعيار الأول، من بعد ذلك ضع ما تريد من اشتراطات ومقومات.
في 2011 كانت وزارة التربية والتعليم إحدى بوابات الانقلاب، وهذا الأمر لا نريده أن يتكرر، ويجب على الأخ الوزير أن يصحح مسار الوزارة من بعد سنوات عجاف بدأت في عهد (الوزير المنظر المتقلب) في بداية الثمانينيات، وحتى اليوم، كوارث التوظيف التي حلت على البحرين، كان سببها (كوارث البعثات) أيام تلك المسؤولة!
أتفق مع الأخ وزير التربية في نقطة أن وزارة التربية ليست وزارة توظيف، نتمنى تصحيح مسار الوزارة في التوظيف ليصبح المعيار الوطني هو أهم أول المعايير وإن سقط تسقط كل الاشتراطات والمقومات.
من هنا نقول للوزير يجب تصحيح مسار البعثات، من المعيار الفئوي الذي كان يحدث لسنوات طوال، إلى المعيار (الوطني)..!!
** رذاذ
المبلغ الذي ذكر أعلاه كمداخيل استضافة كأسي الخليج للأول والأولمبي والتي حققت 45 مليون دينار كعوائد النقل التلفزيوني، ذكرتني بمبلغ دعم اللحوم للبحرينيين والأجانب والذي بلغ 47 مليون دينار..!
استضافة بطولتين كرويتين حققتا رقماً مقارباً لما هو مطلوب لدعم اللحوم..!
بينما الجانب الرسمي يقول إن مبلغ دعم اللحوم غير متوفر ويتم اقتراضه، ولو فكرنا كيف نستثمر في الجانب الرياضي لحققنا مداخيل تفوق 45 مليوناً ببطولتين صغيرتين.. نقص في الرؤية..!