تراود ذهني الكثير من الإجابات لهذا السؤال؛ من المسؤول عن خلق أجيال لا يتمتعون بأي حس إنساني أو وطني أو حتى ثقافي وعلمي؟!
في اعتقادي أن الجميع مسؤول؛ الدولة، الوزارات، أولياء الأمور، المؤسسات. وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا ودول الاتحاد الأوروبي لوضع لوحات تحذيرية كبيرة على الطرق الرئيسة مكتوب فيها «Stop making stupid people famous»، ومعناها «توقف عن جعل الناس الأغبياء مشهورين».
وهذا ما أشار إليه أيضاً الدكتور عبدالله النعيمي عند الحديث عن الدفع بالتافهين إلى واجهة العمل الاجتماعي والإعلامي، ووصفه بأنه جريمة بحق الأجيال الناشئة لا تغتفر، فلو أخذنا بإحصائيات المشاهير الجدد في مواقع التواصل الاجتماعي لوجدنا أنها تشترك في صفات محددة، إضافة إلى اعتمادها على سطحية الموضوع وعلى سخافة وتفاهة بشكل رئيس، وهو ما يمكن أن نطلق عليه باللهجة العامية «الاستهبال».
فقط اقفز، اصرخ، ارقص، أصدر أصواتاً غريبة، تكلم بلا معنى، خالف القيم الاجتماعية، استفز مشاعر الناس.. وتأكد أنك ستصبح مشهوراً وتجد من يصفق لك، وبعد ذلك سيتجاوز عدد متابعيك المليون، وستنهال عليك عروض الاستضافة في وسائل الإعلام والمهرجانات والمنتديات، والأدهى من ذلك أن كل ذلك لا يصدر من شباب أو مراهقين؛ إنما من يافعين ورجال ونساء وأمهات، حيث يتم تسجيل تلك التفاهات في كل أماكن البيت وبما فيه من خصوصية.
ماذا بعد هذا العبث؟! أخلاق تنحدر، تشوه في التذوق الفني، ثقافة تتسطح، قيم تتلاشى، جيل بأكمله يضيع، فمن المسؤول عن هذا كله؟ أعتقد أننا كلنا مسؤولون من أفراد ومؤسسات، فلولا تناقل الناس لتلك المقاطع لما اشتهر أصحابها. ولكن هناك مواهب حقيقية وسط هذا الغث، لكنها تعاني من تجاهل الجميع لها، فبعضهم تميز بعرض نصائح تشرح القلب وتسر الناظرين من كلمات وتوجيهات نابعة من شباب وشابات، هدفهم التوعوية وحسن النوايا وبكلمات موزونة وبحشمة فائقة تدلل على تمسكهم بقيم وعادات وتقاليد مجتمعهم، ومنهم من اهتم بتقديم وجبة معلوماتية يومية ذات وقع خفيف وجذاب على متابعيه، يجول بكاميرته يسجل من كل مكان فيعرفنا بتاريخ البلدان وآثارها وبكلفتها السياحية.
يأتي ذلك النجاح والتميز وسط حالة الفراغ المخيف لوجود قدوة في مخيلة وواقع الأجيال القادمة، والتي تتلفت حولها باحثة عن شخصية تعتز بها وتنظر إليها بإعجاب، فلا تجد سوى نماذج عالمية رائعة ومنجزة ولكنها لا تشبهها، فهي لم تخرج من رحم واقعها ومحيطها، في المقابل هناك أسماء خليجية تجدها ذات فكر ينبض بالسطحية والتفاهة، كإحدى نجمات الـ»سناب شات» الخليجيات والتي تحظى بشعبية واسعة بين أواسط المراهقين على وجه التحديد، حين تردد بشكل شبه يومي بأنها في رحلة بحث مستميتة لاصطياد «هامور»، وهو المسمى الرمزي للرجل الخليجي الثري، وتدعو صديقاتها أمام الملأ وعلى مسامع عشرات الآلاف من المراهقين للخروج إلى أحد المراكز التجارية في «الويك إند» لممارسة هوايتها في «الحش والخز» والبحث عن هامور، دون أن تعلم بأنها تمرر رسائل أقل ما يقال عنها أنها لا أخلاقية في مجتمع خليجي عرف بالمحافظة والالتزام، وتكرس -حتى وإن كان في سياق الدعابة والمزاح- لثقافة عوجاء تحتفي بالمظهر على حساب الجوهر، وتعزز فكرة الرجل والثراء وكيفية اصطياده على هذا المقياس. وثقافة «الحش والعقرة والنميمة الفارغة» هواية نسائية ممتعة «كول» دون أدنى مراعاة لجيل كامل بات يحيي ويقلد مزاجاً وفكراً متخبطاً منحلاً، دون القدرة على اقتفاء أثر شخصية تتناسب مع روح العصر وتتمتع بحد أدنى من الأخلاق والقيم الراقية.
لذلك فمازال السؤال قائماً؛ من المسؤول؟!