أكثر ما يزعجني من بعض الشباب الذين ولدوا في زمن النعمة، ولم يتعبوا في البحث عن اللقمة، فكل شيء متوفر لديهم؛ من الوجبة السريعة التي تأتي إليهم في بيوتهم بعد طلبها من أقرب أو أبعد مطعم، أو الألعاب الكثيرة التي يطلبون من والديهم شراءها، ولا يتمتعون بها إلا من خلال أن طلباتهم مجابة.
أقول أكثر ما يزعجني، ليس بسبب الرفاهية التي يعيشون، فهذا حق لهم على والديهم؛ ولكن بسبب أنهم لا يرون أبداً الواقع الحياتي بمنظار المحبة، لذلك فما أن يصل أحدهم إلى سن المراهقة إلا وتراه يجاهر في مكان أو آخر أن هذا المجتمع الذي يعيش فيه مجتمع خانق، متخلف، ولا يتماشى مع المجتمعات الأخرى المتقدمة، والتي يتصورون أنهم قادرون فيها من تحقيق كل ما يرغبون، رغم أن أغلبهم لا يعرف ما يريد.
قبل فترة قصيرة التقيت بإحدى القصص الاجتماعية الواقعية، والتي توضح أنك تملك أفضل ما يمكنك امتلاكه على هذه الأرض وأنت في هذا العمر، تقول القصة..
أراد رجل أن يبيع بيته وينتقل إلى بيت أفضل، فذهب إلى أحد أصدقائه وهو رجل أعمال وخبير في أعمال التسويق، وطلب منه أن يساعده في كتابة إعلان لبيع البيت، وكان الخبير يعرف البيت جيداً، فكتب وصفاً مفصلاً له أشاد فيه بالموقع الجميل والمساحة الكبيرة، ووصف التصميم الهندسي الرائع، ثم تحدث عن الحديقة وحمام السباحة.. إلخ!
قرأ كلمات الإعلان على صاحب المنزل الذي أصغى إليه في اهتمام شديد، وقال: أرجوك أعد قراءة الإعلان، وحين أعاد الكاتب القراءة صاح الرجل يا له من بيت رائع! لقد ظللت طول عمري أحلم باقتناء مثل هذا البيت، ولم أكن أعلم أنني أعيش فيه إلى أن سمعتك تصفه، ثم ابتسم قائلاً من فضلك لا تنشر الإعلان، فبيتي غير معروض للبيع.
نعم البيت ليس معروضاً للبيع، كذلك كل ما تتمتع به الآن، مهما كان ضئيلاً، ليس معروضاً للبيع. فأنت تملك كفايتك من كل شيء؛ أنت تملك السقف الذي تنام تحته، واللقمة التي تأكلها، والأبناء والإخوة الذين معهم تواصل معزوفة الحياة.
كم امرأة تجد أن أبناءها أسوأ الأبناء، أو أن ابن أو ابنة تجد أن أمها أو أباها أسوأ الآباء والأمهات، ولكن لن يجدوا آباء غيرهم، قدموا لهم أجمل ما يملكون من حب ووقت وجهد وتعب حتى يكبروا بسلام وأمن.
فالذي يتصور أن والديه أو إخوته أو أهله لا يحبونه ويحلم بغيرهم، لن يجدهم في أي قارة من قارات العالم، والذي يري أن زوجته أو التي ترى زوجها، لا يعجبها، لن تجد أو يجد أقرب الناس إليه منها أو منه.
أقولها بكل ثقة؛ دائماً أنت عندك الأفضل، والأجمل، فقط اشكر الله على النعم التي تتمتع بها، اشكر الله على صحتك، هذه التي ملايين الناس على استعداد تام أن يهبوها لمن يعيدها إليهم، اشكر الله على نعمة الأمان التي تعيشها في هذا المكان وفي هذا الزمان.
أنت تملك الأفضل الآن، وهنا لن تجد أفضل من المكان الذي تنتمي إليه وينتمي إليك.