إحدى المشاكل التي أعانيها شخصياً خلال تعاملي مع الآخرين؛ إنه بالرغم من رغبتي الصادقة في العمل على رفعهم إلى الأعلى وتغير نظرتهم إلى الحياة التي يحيون، فيما هم يظلون متشبثون في مواقعهم، لا يرتفعون بوصة عما كانوا عليه، وذلك بسبب ارتباطهم بماضيهم، حتى أنهم لا يستطيعون التخلص منه، أو أنهم لا يريدون التخلص فعلياً من قيود الماضي، كأنما تخلصهم من هذه القيود سيفقدهم معنى وجودهم ولن يعود عندهم ما يتذمرون منه أو يشتكون عليه.
بمعنى آخر؛ أنهم لا يسامحون ماضيهم الذي انتهى، بالضبط كالمظلومية التاريخية التي يعيشها البعض، رغم مرور أكثر من ألف وأربعمائة سنة على ادعاء الظلم.
لذلك حينما أقول للبعض إنه لتسامح الآخرين على إساءاتهم لك، عليك أولاً أن تسامح نفسك، قد يقول البعض إنني لم ارتكب، نحن كلنا نرتكب الأخطاء دون أن نشعر بذلك أو نسميه خطأ، قد يكون هذا الخطأ في حركة أو فعل أو سلوك أو كلمة أو نظرة سيئة أو دونية إلى آخر، من هنا لابد أن نسامح أنفسنا وبالتالي تكون مسامحة الآخر.
لهذا أرى أن ما أتصوره يصلح لي قد لا يصلح لغيري من الناس، سواء على مستوى فكري أو نفسي أو جسدي أو روحي، كوصف الدواء على سبيل المثال، والذي قد يكون نجح معي، ولكنه لم يستطع أن يشفي آخرين يمرون بنفس الألم.
كل واحد منا عالم قائم بذاته، له تجاربه الأليمة التي مر بها، وله ظروفه الخاصة المختلفة عن ظروف غيره، وله أفكاره وأحلامه والتي قد تتشابه مع أحلامك في الظاهر ولكنها مختلفة عنها في الباطن.
في الأسبوع الماضي أرسل لي الصديق الفنان وحيد الخان قصة «الثعلب والجمل»، والتي قد أكون قرأتها في السابق، ولكنها ضاعت في تجاويف الذاكرة فأعادها الخان، لأراها مرة أخرى بصورة أقرب، تقول القصة..
سأل الثعلب جملاً واقفاً على الضفة الأخرى من النهر؛ إلى أين يصل عمق ماء النهر؟ فأجابه الجمل إلى الركبة، فقفز الثعلب في النهر فإذا بالماء يغطيه وهو يسعى جاهداً أن يخرج رأسه من الماء بجهد مضن.
وما إن استطاع أن يقف على صخرة في النهر صرخ في وجه الجمل قائلاً؛ ألم تقل إن الماء يصل إلى الركبة؟ قال نعم يصل إلى ركبتي!
ويقول الخان، ناقل القصة، حين تستشير في أمور حياتك من أي شخص فهو يجيبك حسب تجاربه التي نفعته، وكثيراً ما تكون حلوله مناسبة له فقط ولا تناسبك.. فلا تقدموا تجاربكم الخاصة كحلول قطعية لعامة الناس واحذروا في اختيار من تستشيرونه.
إذا نصحت أحداً وقال لك «أكثر الناس يســوون كذا»، قل له: لو بحثت عن كلمة «أكثر الناس» في القرآن الكريم حصلت بعدها؛ ? يعلمون، ? يشكرون، ? يؤمنون..
أنت قد ترغب حقاً في مساعدة الآخرين في الترقي والاستنارة والتطور الحياتي والاجتماعـــي والاقتصــــادي والصحــــي والروحي، لكن هم لا يريدون ذلك، واصل دعمك وتشجيعك وتحفيزك لكل إنسان على هذه الأرض، ولكن لا تصاب بالخيبة إذا لم تر ما بذرت أو صنعت.. عن فعل الخير لا تتوقف، حتى لو كان من فعلت له الخير لا يريد خيرك، ولا يريد حبك أو حلمك له بالسعادة الدائمة، لأنه يخشى من الابتعاد عن القيود التي فرضها على قلبه، أنت تفعل هذا الخير من أجل نفسك لأنك تقوم بمهمتك الإنسانية التي خلقت لأجلها.
وتذكر دائماً.. ما يصلح لك لا يصلح لغيرك.