ما هو مثير حقاً ويستحق البحث والدرس موقف تجار البحرين والبحرينيين الذين يعيشون في أوضاع اقتصادية جيدة ويحتاجون إلى الأمن من عمليات التخريب التي لم تتوقف منذ الحادي عشر من فبراير 2011، فرغم أنهم يرونها تحدث أمامهم وتعطل أرزاقهم وتهدد محالهم وبيوتهم وتعرضهم وأسرهم لشتى أنواع المخاطر؛ إلا أنهم لا يعبرون عن رفضهم لما يرون بعيونهم وما صاروا يعانون منه، وكأن ما يحدث يجري في الخارج وفي بلاد بعيدة عنهم أو يشاهدونه على شاشة التلفاز التي تتيح لهم تغيير ما يشاهدون بـ»الريموت كنترول». موقف هؤلاء يثير الدهشة، يتابعون ما يجري من دون انحياز حتى لـ»حلالهم»، حالهم كحال حكم المصارعة الحرة الذي ينتظر من يفوز على الآخر كي يرفع يده ويهنئه بالفوز. حقيقة لم يكن هذا الموقف متوقعاً من هذه الفئة التي يفترض على الأقل أن تخاف على وضعها ومكاسبها وترفض ما يجري كي لا يتكدر صفو حياتها، فليس منطقاً قبولها الذهاب إلى المجهول. أما المثير أكثر في هذه المسألة فهو أن أعداد هذه الفئة كبيرة وبإمكان المنتمين إليها أن يفعلوا مفيداً للوطن ويكونوا رقماً مؤثراً في الأحداث. الصمت الذي ران على هؤلاء في السنوات الأربع الماضية كان لافتاً، حيث بدوا وكأن الأمر لا يعنيهم. لم يحركوا ساكناً ولم يتقدموا بأي مبادرة يمكن أن تفضي إلى تهدئة الأوضاع والتفرغ لبناء الوطن، رغم أنهم المستفيد الأكبر من التهدئة والاستقرار ووضع نهاية لهذه المشكلة التي يفترض أنها أرقت حياتهم كما أرقت حياة جميع المواطنين والمقيمين. غرفة تجارة وصناعة البحرين نأت بنفسها عما يجري واعتبرت نفسها مؤسسة مهنية لا علاقة لها بالسياسة، والتجار وأغلب الذين يعيشون في وضع اقتصادي ممتاز ظلوا يتابعون ما يجري من نوافذ بيوتهم. الشوارع التي يتم اختطافها وإشعال النيران في إطارات السيارات، والأماكن، أغلبها قريب من المحلات التي يمتلكها أفراد من الفئة التي يتناولها الحديث هنا، أي أنهم المتضرر الأكبر من هذه العمليات التخريبية، ومع هذا لا يصدر منهم أي رد فعل. كل ما يفعلونه هو أنهم ينتظرون سيارات الدفاع المدني لتطفئ تلك النيران ورجال الأمن كي يزيلوا آثار تلك الفعلة من الطريق ويعتبرون الأمر منتهياً. لم يحدث أن مارس هؤلاء ضغطاً على الحكومة كي تزيد من جهدها في منع الأذى عنهم وعن المجتمع والوطن، ولم نسمع بمبادرات قاموا بها كي يقنعوا من بيدهم مفاتيح عمليات التخريب لوضع حد لهذا الذي يجري. لم يفعل هؤلاء شيئاً من هذا القبيل؛ بل استمروا في سلبيتهم إلى الحد الذي يوحي بأن لهم مصلحة في ذلك أو أنهم يتوقعون أن النصر في نهاية المطاف سيتحقق للمخربين فيضمنون لأنفسهم نصيباً من الطيب! بالتأكيد هؤلاء ليسوا أغبياء ليضعوا بيضهم كله في سلة واحدة، فالجميع يعرف أنهم وفروا لأنفسهم ما يأملون أن يحميهم في الظروف الصعبة، حيث بإمكانهم الالتحاق بأموالهم التي أودعوها في الخارج في اللحظة المناسبة. هو حقهم، ولكن هذا لا يعني أن يختاروا السلبية فلا يعبرون حتى عن رفضهم لما يحدث ويكتفون بالتعليقات المقتضبة في المجالس والحوقلة. ما ينبغي أن يعلمه هؤلاء هو أن عدم وصول المخربين إلى بيوتهم اليوم لا يعني أبداً أنهم لن يتمكنوا من الوصول إليها غداً، فمثل هذا الوضع يغريهم بارتكاب كل حماقة، وأن يعلموا أيضاً أن الأمن الذي يتمتعون به الآن قد لا يشعرون به بعد حين، خصوصاً مع تطورات الأحداث في المنطقة. لهذا فإن من مصلحتهم أن يفعلوا شيئاً يحفظ استقرارهم واستقرار هذا الوطن الذي تعب من السلبيين مثلما تعب من المخربين.