لا يمكن لنا أن نكون فكرة عميقة عن بناء الأوطان بعيداً عن بناء الذات، فمن لم يكن قوياً لا يستطيع بناء وطنه، ولهذا لا يستطيع الإنسان بناء الذات إلا عبر مجموعة من العوامل التربوية والعلمية والثقافية والأخلاقية، فبناء الإنسان يدفعنا للحديث عن بناء المجتمع الذي يتكون من مجموعة من هؤلاء الأشخاص الذين يشكلون وعيه وقيمه وقوته.
حين لا يملك المجتمع عناصر قوية من الأفراد فإنه لا يملك في واقع الأمر مقومات البناء والنهوض والاستمرار، فالمجتمع الضعيف هو عبارة عن مجموعة من الأفراد الضعفاء، فكلما زادت قوة الأفراد زادت صلابة المجتمع وتماسكه، وكلما أصبح المجتمع قوياً أصبحت الدولة أكثر قوة.
اليوم وبعد الفوضى التي يشهدها الوطن العربي من محيطه إلى خليجه يجب على الجميع أن يستوعب الدرس، فالإرهاب إن لم نقطع يده في كل الأوطان العربية فسوف يقطع أوصالنا، فها هو يزحف من وطن إلى وطن، ويعبر الحدود ليتجول من دولة إلى أخرى، ويتمدد في شكل أفكار وجماعات ومليشيات وعصابات وأيديولوجيات عابرة للأوطان، بينما نجد الكثير من الحكومات العربية تقف من كل ذلك موقف المتفرج، أما الشعوب فإنها أعجز من أن تتخذ موقفاً حازماً في مواجهة الإرهاب بكل أصنافه وأنواعه.
على الدول والشعوب العربية أن تعي خطورة الصمت حيال الجماعات الإرهابية المتطرفة مهما كان مذهبها وهواها الديني والسياسي في هذه المرحلة، وأن تترك عنها الاختلافات التافهة وحتى المجاملات الباردة جانباً، فالوقت بدأ يداهم الأوطان، وها هي فوهات الإرهاب على بعد مرمى حجر واحد لتصل إلى غرف نومنا. أمّا الحكومات العربية فعليها أن تواجه هذا المد الإرهابي التكفيري الدموي بكل الوسائل المشروعة، تارة ببناء الإنسان والأوطان وتارة بالقوة والقانون، ومن لا يريد أن يستجيب لقوانين الدولة المدنية الجامعة لشرائط العيش المشترك فعليه أن يتحمل قساوة العقاب.
إذا كانت هنالك ثمة اختلافات حول وجهات النظر بين السياسيين والفرقاء الدينيين، فحلها يكون عبر طاولة الحوار والكثير من التفاهمات غير المكلفة، وإلا فإننا سوف نستعير الماضي الدموي لحل خلافاتنا، وهذا ما لا يتسق والقرن الـ 21؛ قرن التطور والرقي والبناء.
بعض الأعمال الإرهابية التي حصلت مؤخراً في بعض العواصم العربية -لعل آخرها تفجير القديح- بالمملكة العربية السعودية، ربما دقت لنا ناقوس الخطر في أن نسارع في معالجة أوضاعنا كدول وشعوب ومجتمعات عربية خالصة حتى نتجاوز كل أشكال الإرهاب والتطرف، وأن نقطع دابر الفتنة والتحريض على الكراهية وبغض الآخر، فمن يبارك للإرهاب أعماله فإنه لا يريد الاستقرار لأوطاننا العربية ولا لشعوبها، بل يجب محاسبة كل من يسعى لشق الصف وإثارة النعرات المذهبية، كما أنه من الضروري مراجعة مناهجنا الدراسية وخطاباتنا الدينية، أما المشتركات بين أبناء الوطن العربي فهي أكثر من أن تسرد في هذا المقال، حيث يجب التمسك بها مهما كانت الظروف، وحينها لن تستطيع كل قوى الشر ودول العالم مجتمعة الإطاحة بمجتمعات أقوى من زبر الحديد، فالخيار الأخير بيدنا لا بيد غيرنا.