الحادثة المؤسفة التي تعرض لها أهلنا في المملكة العربية السعودية الشقيقة جراء تفجير أحد المساجد في محافظة القطيف؛ تؤكد أن من خطط ونفذ هذا التفجير الإرهابي هو نفسه من اهتز واغتاظ من نجاح عاصفة الحزم واتحاد دول الخليج في قمة كامب ديفيد وانكسار الحوثيين وتراجع المد الإرهابي في المنطقة.
هذا العمل الإجرامي الذي جاء بعد عدة أشهر من حادثة قرية الدالوه بمحافظة الإحساء، حين اقتحم مسلحون إحدى الحسينيات مما أسفر عن وفاة ثمانية شباب، يأتي لضرب وحدة الصف السعودي وإيجاد الانقسامات الطائفية والفتن وإضعاف أمن المملكة العربية السعودية من خلال إشغالها بصراعات داخلية تضعف من تحالفاتها العسكرية الخارجية وقوتها السياسية، فهناك من يحاول المفاوضة بشأن الأمن الداخلي لدول الخليج من خلال تفريخ الخلايا الإرهابية وزرعها بداخلها وجعلها ورقة ضغط يتم من خلالها التربح سياسياً واقتصادياً.
الإرهاب لا طائفة له؛ فجميعنا في هذه القضية، سواء سنة أو شيعة، مسلمين، والإسلام يجرم إسالة دماء المسلم وينبذ الإرهاب والقتل، وفي كثير من نصوصه القرآنية وأحاديث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام نبه إلى عاقبة هدر دماء المسلمين، بل وجعل عقاب من يفعل ذلك الخلود في نار جهنم وحصد غضب الله ولعنته عليه، لذا لم يكن مستغرباً أن نرى أهل السنة قبل الشيعة يهرعون للاصطفاف في طوابير التبرع بالدم لأجل مصابي الحادثة في القطيف.
لا يوجد إنسان عاقل على وجه هذه الأرض يؤيد القتل والتخريب، فالجانب الإنساني فيه قبل الديني حتى لا يتفق مع أي ممارسات تأتي بالأذى على الناس، والإرهابيون لا يمثلون في إرهابهم بالطبع أي وطن وأي مذهب ينتمون له، فأهل السنة ليسوا مع إيذاء أصحاب الطائفة الشيعية مهما بلغت حجم الاختلافات في السياسة والدين والحياة، فلا يعني أنني مختلف عنك أنني أرى دمك حلالاً أو أبيحه، فالدين بمذاهبه المتعددة بريء من الخطابات التي تعمل على إلغاء الآخر وتكفيره.
من منح الإرهابي حزاماً ناسفاً للتفجير في القطيف أراد قبلها إيجاد حزام ناسف من الطائفية والفتن في المنطقة ينسف نعمة الأمن والأمان ويفجر الانقسامات الطائفية ويولد التطرف الديني، الطموح الإيراني والداعشي سيتجه دائماً نحو زعزعة أمن المملكة العربية السعودية التي تعد العمق الاستراتيجي لأمن دول الخليج، والأصابع التي مدت يدها للنيل من أمن المملكة العربية السعودية لا يجب أن تقطع؛ بل يجب أن يعدم الجسد الذي يضمها، سواء أكانت الخلايا داعشية أو إيرانية ولا تهاون ولا رحمة في ذلك أبداً.
في معركة الطائفية التي تحاول إيران فرضها على الدول العربية لا يختلف عقلاء أهل السنة عن عقلاء الشيعة في نبذ هذا التصرف الإجرامي بل واستنكاره والمطالبة بالقصاص ممن نفذه وخطط له، فجميعنا مسلمون وإن اختلفنا دينياً يبقى اتجاه قبلتنا في الصلاة واحدة، وكذلك في الحياة ومبادئ الإسلام الصحيحة التي جاءت من القرآن الكريم والسنة النبوية، فنحن نتجه جميعاً نحو السلام والأمن والحب، وهذا هو الأصل، لذا لا يمكن القبول بصكوك الجنة والنار التي يمنحها بعض ممن نصبوا أنفسهم قضاة على البشر ليحكم ويفتي، فالله هو من يحدد من سيدخل الجنة والنار، وحتى الرسل والأنبياء لم يوهبوا ملكة تقسيم البشر وإصدار الأحكام عليهم حول مسألة دخول الجنة أو النار، من فجر نفسه لقتل الآخرين أملاً في الظفر بالجنة هو مجرم في عرف الدين قبل أن يكون في عرف الحياة وقوانينها لا شهيداً.
المشهد الحاصل ما بعد التفجير يجب أن يفطن إليه حكماء وعقلاء الشيعة وينتبهوا له، ويجب أن يكون الخطاب الوطني خلال الفترة القادمة سواء في السعودية أو البحرين يتسق مع الدعوة إلى وحدة الصف وعدم الانجرار وراء من يرغب في المتاجرة بالقضايا، فأمير المنطقة الشرقية سعود بن نايف عندما اتجه لمستشفى القطيف المركزي لزيارة جرحي التفجير لم يزرهم لأنهم شيعة أو سنة؛ إنما لأنهم مواطنون سعوديون، ولأن النظام السعودي متحد مع شعبه، أين كانت مذاهبهم عندما قام وزير التعليم عزام الدخيل بالتبرع بالدم، لم يتبرع لأن دمه سني ويجب أن يكون للسنة بل لأنه مسلم وواجب عليه خدمة إخوانه المسلمين سواء اتجه دمه لسني أو لشيعي ولا أكثر إنسانية من مشهد أن يحيا شيعي بدم سني نقل إليه عندما كان محتاجاً والعكس.
إن محاولات المتاجرة بدماء ممن قتلوا هو الأسوأ من بعد التفجير الإرهابي وعلى العقلاء أن يتداركوا أن داعش قد كفر أهل السنة قبل الشيعة عندما حرقوا الطيار الأردني الكساسبة ونحروا المصريين، وأن يفطنوا إلى تعاطف أهل السنة مع حادث التفجير يأتي من باب الإنسانية ومن باب مبادئ الإسلام الصحيحة، لا تلك المحرفة أو التي جاءت بالبدع أو بتصرف ممن نصبوا أنفسهم قضاة لتوزيع صكوك الجنة أو النار، وكما تعاطفوا مع قتلى أطفال العراق وسوريا ولبنان واليمن فهم يتعاطفون مع طفل القطيف الذي توفاه الله، وأن مستوى التلاحم الحاصل يأتي من باب الوطنية والدين وطاعة ولي الأمر، وأن هدف التفجير لا يستهدف الشيعة أو السنة إنما الإيذاء لأجل إيجاد حرب طائفية تمرر الأهداف والمخططات.
الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- له جملة تاريخية مؤثرة حينما قال: «إذا أردت معرفة المجرم الحقيقي فابحث عن المستفيد من الجريمة»، إيران اليوم لديها نووي إرهابي طموح في المنطقة قد شرعت من خلال سنين طويلة في إرساء مفاعله في الدول العربية وتصديره بالحروب الطائفية سواء بيد داعشية أو غيرها من خلاياها الإرهابية.
- إحساس عابر «نغزة»..
إحدى الجمعيات الانقلابية بمملكة البحرين، التي تدعم خطابات العنف والإرهاب والتي في الفترة الأخيرة باتت كما «القملة المقصوعة» ما شاء الله لم تتأخر في إصدار بيان استنكاري وتضامني مع قتلى القطيف يدين ما حصل، على قولة المثل «البعير ما يشوف اعوجاج رقبته».