أجل، فقد نجحت الحكومة بما لديها من خبرة ومستشارين في تشتيت الأذهان عن المشكلة الرئيسة و«الانشغال» بموضوع صغير وجانبي يولد السخرية ويبعد الناس عن الاهتمام الجاد بقضيتهم والبحث عن مخرج أو حل لها.
قضيتنا في البحرين ومنذ سنوات عدة هي الإصلاح الاقتصادي وعنوانه اليوم وفي هذه الظروف الصعبة هو عجز الموازنة وتفاقم الدين العام وإرث الأجيال القادمة الثقيل من هذه الديون المتراكمة، والحكومة بدلاً من أن تقدم للسلطة التشريعية مشروعاً متكاملاً للإصلاح الاقتصادي ينقل البحرين من دولة فقيرة عاجزة ومتسولة، طالبة للمعونات والمساعدات وغيرها من وسائل التلقي، إلى دولة منتجة تعتمد التخطيط وتستند على عقول وسواعد أبنائها، أي على ثروتها البشرية التي تكونت ونمت وأبدعت منذ اكتشاف النفط في ثلاثينيات القرن الماضي.
بدلاً من ذلك فقد أخذت تبحث عن صغار الموضوعات وحرصت على أن تختار منها ما يخاطب البطون ويشغل العقول ويبعدها عن التفكير في مستقبل الوطن والمواطنين، ووجدت من خلال هذا البحث موضوع الدعم ومنه اختارت دعم اللحوم الحمراء، فالطبقة الوسطى تلاشت، لتتسع مساحة الطبقة الفقيرة أو طبقة ذوي الدخل المحدود، وليصبح أغلبية المواطنين من أولئك الذين لا يتقاضون الدخل الذي يغطي احتياجاتهم ومستلزماتهم الحياتية والمعيشية، والدولة بدلاً من أن تخطط وتعمل على ربط مداخيل المواطنين بالزيادات في الأسعار وتكاليف المعيشة وهو ما يحدث في أغلبية دول العالم، بدلاً من ذلك عمدت إلى الابتعاد عن مسؤوليتها بتقديم الدعم لعدد من السلع والخدمات، بل والمبالغة في تقديرات هذا الدعم والخلط بين الحقيقي وغير الحقيقي منه، بعيداً عن إجراء الدراسات المحايدة والكاشفة عن حقيقة هذا الدعم.
واليوم عندما اشتد الضغط على الحكومة للإتيان ببديل لتمويل الميزانية غير الديون، ولإيجاد حلول مقنعة وشفافة لتسديد وإنهاء الدين العام، لم تجد الحكومة أمامها غير اللجوء إلى الدعم لإلهاء الناس عما يضغطون عليه ويطالبون به، ثم حددت هذه الملهاة في اللحوم الحمراء لأنها الأرخص من بين مجالات الدعم الأخرى والأكثر مناجاة لعصافير البطن، وبالتالي استحواذاً على الإلهاء.
وهكذا تحولت الأمور، فعوضاً عن توجيه الأفكار والجهود صوب تحقيق الإصلاح الاقتصادي الشامل والبدء بإصلاح الميزانية والدين العام، انشغل الجميع بملهاة دعم اللحوم الحمراء!