لم يبق موضع شبر في جسد الأمة إلا وأثخن جراحاً؛ فأينما نولّ بصرنا شرقاً وغرباً يرتدّ إلينا البصر خاسئاً وهو حسير.
فإذا انطلقنا صوب الشأن العراقي وما يجري هنالك من سلخ لهوية هذا البلد العربية وإلحاقه بالإمبراطورية الإيرانية سيصيبك الإحباط من هول ما يجري منذ عقد من الزمان، وسط صمت عربي وإسلامي مطبق، فقد نخر تماماً ذلك البلد كما نخرت الأرضة عصا سليمان.
فعراقكم اليوم جسد بلا روح، وشعب بلا هوية، وأرض بلا حضارة، وأحزاب ومليشيات ومجاميع تقمصت الدين بكل مذاهبه، وجميعها شريرة إرهابية.
وإن عرجنا إلى أرض الشام فتصاب بالدوار وتسقط مغشياً عليك مما تراه من حرب إبادة جماعية لشعب أعزل وبدم بارد، يقوم به نظام استبدادي مدعوم دولياً ومجاميع إجرامية تعدى عداءها البشر وأصبحوا لا يطيقون حتى التعامل مع الآثار والحجر، فسووا بالأرض آثاراً ترمز لحضارات وحقب تاريخية هي مفخرة للإنسانية.
وإن وليت وجهك شطر اليمن فسيتقطع قلبك ألماً وحسرة، كيف استطاعت شرذمة خارجة عن القانون تحالفت مع (خائن حكم لعقود وتنكر لأهله وتربة بلده) وارتضوا لأنفسهم أن يكونوا مطية للأجنبي، ليحولوا ذلك البلد الوديع السعيد إلى بلد يعمه الهيجان والفوضى؟ ولم يكتفوا بذلك بل سعوا إلى الانقلاب على الشرعية، وقد عجزت كل المشاورات والمؤتمرات بثنيه عن تعنته وغيه، مما أدخل البلد في دوامة وحرب طاحنة ضروس علمت بدايتها لكن الله وحده يعلم كيف ومتى ستكون نهايتها!
وإن حططت رحلك في ليبيا فالمصيبة أكبر من أن يحتويها شرح وتعليل، فعلى علات القذافي وتخبطه ودكتاتوريته وهرطقته، كان ممسكاً بزمام الأمور، وبالكاد أن تسمع عن أي جريمة وخرق أمني، أما اليوم فليبيا للأسف تحولت إلى مراكز قوى وحكومات وبرلمانات وجيوش وقبائل متناحرة يخون ويقتل بعضهم بعضاً، وهي قنبلة موقوتة مزروعة وسط المغرب العربي بأسره.
ومصر الكنانة قلب الأمة النابض ليست ببعيدة عن المشهد، فلن تتركها قوى الظلام في استقرارها، ومازال الخطر متربصاً بها وهي على قرن ثور أو كف عفريت.
أما فلسطين العزيزة، الجرح الغائر في جسد الأمة، فقد غيبت عن أولويات العرب والمسلمين لما أصابهم من أهوال جعلت الولدان شيباً، فالشعب الفلسطيني اليوم في أسوأ أحواله، فقد تمزق بين عباس وهنية، والقضية الفلسطينية غدت ككرة القدم تركل بأرجل اللاعبين الكبار ولا يعلم لها قرار أواستقرار.
أما دول الخليج العربي فشأنها ليس أقل خطراً من باقي المنظومة العربية، فبعد تحالفهم في عاصفة الحزم وبعد طول ترصد ومراقبة انتقلوا مرغمين من خطوط الدفاعات إلى الهجوم لوقف الزحف الحوثي - الإيراني، بعد أن اقترب الشرر قاب قوسين أو أدنى من دارهم.
وهذا هو الحل الوحيد المتاح لإرباك وإيقاف المخطط الإيراني ولإعادة الأمل، ليس لليمن فحسب؛ بل لكل الأمة المتعطشة لوقف الزحف الإيراني وإعادة إيران إلى جادة الصواب ولتنعم المنطقة كلها بالأمن والسلام.
والحذر اليوم مطلوب من أن يتعمد العدو تحويلها لحرب استنزاف، كما حصل في حرب الثمانية أعوام بين العراق وإيران، فالأجندة والعدو واحد مع اختلاف الزمان والمكان.
ولقد نبه جلالة الملك الأردني، عبدالله بن الحسين، قبل عدة أعوام من خطورة امتداد الهلال الشيعي، واختلف مع جلالته في تعبيره، فهو ليس هلالاً شيعياً بل هو هلال إيراني فارسي اتخذ من المذهب غطاء، فالمذهب الشيعي بريء من أطماع إيران وعملائها، فليس من فرائضه وتعليماته تصدير الثورات وزرع الفرقة وبث الفوضى والاضطرابات.
لكن الدول العربية، وبالذات الخليجية، لم تعط آذاناً صاغية لتلك الإشارة، بل تركوه حتى اكتمل بدراً، فضرب حول محيطها طوقاً، بل رصع ووزع وجوده وبث خلاياه النائمة في مناطق رخوة ووضع يده على الزناد تأهباً لساعة الصفر.
في وسط هذه الصورة الكئيبة القاتمة؛ وكأنك تمشي في أرض الحرام وتحيط بك من كل جانب المتفجرات والألغام! فلا سبيل أمامك للعبور إلا ومعك خارطة طريق.. وإلا؛ فمهما أوتيت من فطنة وحالفك القدر فسيلحق بك لا محالة الضرر وسيبتر أحد أطرافك أو يفقدك سمعك وبصرك.
.. وللحديث بقية