لو رجعنا إلى الخلف سنوات وتتبعنا فيها تاريخ الدعم في بلادنا ابتداء من الدعم الذي قدم خلال الحرب العالمية الثانية بإصدار بطاقة العائلة التي خصص فيها لكل فرد أنواع وكميات المواد الغذائية اللازمة لمعيشته، ومروراً بالدعم الذي قدم في سبعينات القرن الماضي عندما صدر قانون تحديد الأسعار والرقابة عليها، وكلفت شركة الاستيراد ببيع مجموعة من المواد والسلع بأسعار مدعومة، وانتهاء بالوضع الحالي الذي عليه الدعم وما يشمله من مواد غذائية وطاقة، فسنجد أن السبب الموجب لتقديم الدعم في كل الحالات والظروف واحد.
هذا السبب هو عدم كفاية الرواتب والمداخيل والنقود التي لدى الناس للحصول على احتياجاتهم من المواد والسلع والخدمات الضرورية للمعيشة والحياة، الأمر الذي يستوجب من الدولة أن تقوم بتعويض الناس عن النقص الحادث بين الاحتياجات والإمكانيات المتوفرة، أو تقديم الدعم لهؤلاء الناس في صورة تخفيض أسعار المواد والخدمات، وهو ما تم التعارف عليه بالدعم العيني.
الارتفاع المضطرد للأسعار، واعتماد الدولة على الاستيراد لكل احتياجاتها تقريباً، وبالتالي فقدان التحكم في أسعار تلك الاحتياجات، وتزايد أعداد الذين ينتقلون من فئة المقتدرين إلى فئة المحتاجين، كل ذلك أدى إلى تضاعف الذين يحتاجون إلى الدعم لمعادلة ما يملكون وما يطلبون، وبالتالي تضاعف قنوات وكلفة الدعم المقدم لجميع السكان ولكل الفئات والجهات بدون استثناء.
علاج هذا الموضوع لا يمكن أن يكون بأسلوب أيام الحرب ولا مرحلة السبعينات، ولكن بأن يقتصر الدعم على الذين هم بحاجة إليه فعلاً من المواطنين، وأن يتحول من دعم عيني إلى دعم نقدي، أي بدلاً من أن يتم تقديم المواد والخدمات بأسعار مخفضة، يتم الإبقاء على أسعارها المعبرة عن الكلفة الحقيقية، ويتم رفع دخل الشخص المستحق لتلقي الدعم إلى المستوى الذي يمكنه من الاعتماد على نفسه في شراء احتياجاته أو الحصول عليها.
وهنا يأتي أيضاً دور الدراسات التي يجب أن توضع من قبل جهات متخصصة حول ميزانية الأسرة ومتوسط دخل الفرد والأسرة والحد الأدنى للأجور وتطور أسعار المستهلك، وهي كلها ستوصلنا إلى معرفة مبلغ الدخل للفرد والأسرة والذي يتطلب بلوغه تمهيداً لإلغاء الدعم العيني الحالي واستبداله بالدعم النقدي المذكور.
وقبل ذلك فلا يجوز الحديث عن إلغاء الدعم العيني عن أي مادة ولا تحديد التعويض النقدي عنها.