لا توجد صعوبة على الإطلاق في كل أمور الحياة، سواء في الأعمال اليومية العادية أو الأعمال الفكرية التي تحتاج إلى التحليل وحساب الربح أو الخسارة، أو الأعمال الروحية التي تذهب بعيداً وراء حدود الكون، الصعوبة دائماً تكمن في ما تتصوره أنت صعباً؛ وهو ليس كذلك.
من خلال التجربة التي أظنها بالطول الكافي والتي مررت بها لأكثر من ستين عاماً، وجدت أن العوائق التي نضعها نحن أمام أفكارنا وقدراتنا وطاقتنا وأحلامنا هي ما تمنعنا من الوصول إلى ما نريد، مهما كان هذا الشيء الذي نريد.
دائماً أكرر للآخرين في كلامي؛ إن العديد من الناس الذين وضعوا أمامهم أهدافاً معينة وسعوا إلى تحقيقيها، وجدوا أن الكون يتآمر معهم، فقط، من أجل تحقيق هذه الأحلام وتحويلها إلى واقع معيش يومياً، تشعره، تلمسه، وتتنفسه بصورة اعتيادية جداً، بالضبط كما تتنفس الهواء.
قبل فترة قرأت عن إحدى التجارب المهمة، والتي توضح وجهة نظري، وهي تجربة أحد الطيارين السعوديين، والتي اعتبرها واحدة من قصص النجاح التي علينا أن نتوقف عندها ونأخذ منها شيئاً من العبرة.
يقول المقال أو القصة أو الحكاية؛ إن جهل طيار في الخطوط السعودية للرحلة المتجة للهند هو ما جعله يخطئ ويهبط في مطار عسكري ملاصق للمطار المدني، معتقداً أنه هو موقع هبوطه بالطائرة الكبيرة بوينج 747-300، وهي ثاني أكبر الطائرات حجماً في العالم بعد الأيرباص 380، وكان الهبوط مغامرة لقصر مسافة المدرج.
وعند العودة اعتذر الطيار عن الإقلاع بالطائرة لأن المدرج قصير جداً، وكانت الخطوط السعودية تخطط للاتفاق مع شركة نقل فرنسية وأمريكية عملاقة لتفكيك الطائرة وإرسالها، وهذا يكلف ربع قيمة طائرة جديدة، فأرسلت الخطوط السعودية ثلاثة طيارين من أفضل الطيارين عندها، وهم؛ كابتن فهد القحطاني، كابتن شنان الزهراني وكابتن محمد هوساوي.
فرفض إثنان حتى مجرد المحاولة، إلا الكابتن طيار محمد هوساوي طلب تفريغ الطائرة من جميع الكراسي والحمولة وتقليل كمية الوقود ليخف وزنها ويتمكن من محاولة الإقلاع في مده لا تزيد عن 15 ثانية فقط نظراً لقرب المسافة من السياج الحديدي للمطار ووجود نهر يلي السياج، وقد نفذوا ما طلب منهم وأخذت الجهات المختصة جميع الاحتياطات والتدابير لإنجاح المحاولة.
وكان من المحتمل عدم تمكنه من ذلك، لأن الطائرة ضخمة وتحتاج إلى مسافة طويلة ووقت أطول لترفع المحركات الطائرة عن الأرض، علماً أن أصغر الطائرات حجماً في العالم تحتاج لمده لا تقل عن دقيقة كاملة للإقلاع من المدرج.
وتجمع الناس لمشاهدة ماذا سيحدث، فنسبة النجاح بالإقلاع ضئيلة جداً إن لم تكن مستحيلة، حتى أن المصور نفسه لم يصدق ما حدث، حيث قال أثناء التصوير: «غير معقول»، وبالفعل تمكن من الإقلاع بأعجوبة لدرجة أنه كاد أن يصطدم بالسياج الحديدي للمطار والوقوع في النهر الذي يلي السياج.
وتكريماً لهذا النجاح أقيمت حفلة تشريف للكابتن محمد هوساوي بحضور وفود من منظمة الطيران العالمية الأمريكية والأوروبية ورئيس وزراء الهند وقدموا الهدايا للكابتن محمد هوساوي، كما قدم له مدير عام الخطوط السعودية شيك بمبلغ 5 مليون ريال، تكريماً لعمله البطولي، هو عمل بطولي بالفعل ويستحق التكريم، فالصعوبة التي وجدها الطيارون الآخرون والخوف من المغامرة كانت في أذهانهم قبل التفكير في تطبيق خبراتهم السابقة وكيفية الاستفادة منها، في حين أن هوساوي، وجد أمامه فرصة كبيرة في تحويل الخبرة التي يحملها إلى واقع، لم يخف من الفعل، ولم يضع في ذهنه فشل المهمة، بقدر ما وضع النجاح وإمكانية أن يقوم بدوره الذي جاء من أجل القيام به.
أنت أيضا يا صديقي القارئ النبيل تستطيع أن تفعل كل ما تريد فعله من خير إذا كانت الرغبة مشتعلة داخلك، وإذا كانت المخيلة في أقصى عملها تستطيع أن تفعل الهوايل، لذلك أقول إن رأيت صعباً ادخله، وإن رأيت خوفاً اسقط فيه.