الواقع اليوم يقول إن الشعوب الخليجية لم تعد تثق بالسياسة الأمريكية اللاعبة على الحبلين، وأن مسألة تقديم الضمانات الأمنية والسياسية من الجانب الأمريكي بعد قمة كامب ديفيد ستكون دائماً في محيط المراقبة والانتظار.
كما إن الواقع يقول إنه أمام مسألة اهتمام الرئيس الأمريكي أوباما الذي لم نجده "يفزع" ويهتم بهذا القدر بإبراز ضمانات أمريكا الأمنية والدفاعية حول المسألة البحرينية عام 2011 لا يعدو "بياع أسلحة وصواريخ" وعراب اقتصادي لإيجاد مكتسبات اقتصادية جديدة لأمريكا في فترة رئاسته، علماً بأن الشعوب العربية قد فهمت عنه هذا الدور من خلال صواريخه الكلامية الإنشائية إزاء الربيع العربي وتناقض إدارته الواضح جراء سياسته في المنطقة التي أوجدت الكثير من الحروب والتمزق الأهلي والأمني!
أوباما في مأزق تاريخي يدفعه للبحث عن مكاسب سياسية أمام إدارته التي فشلت فشلاً ذريعاً وخسرت ثقة الشعوب العربية، خاصة الخليجية، إزاء تعاملها المتحيز خلال أزمة البحرين الأمنية والمشاركة في نفث النار في المنطقة العربية، وما لا يدركه أوباما أن دور أمريكا المتلون وتصريحاتها الإنشائية لم تعد لامعة وبراقة بحيث تلفت الجمهور الخليجي لمتابعتها باهتمام وبجدية، بل باتت مصدراً للتندر في ساحات التواصل الاجتماعي.
يسعى أوباما إلى طمأنه دول الخليج بشأن الاتفاق النووي مع إيران، وهذا بالأصل ليس بمنطقي، خاصة أمام مواقفها مع الدول العربية كسوريا والبحرين والعراق.. إذ إن مشكلة دول الخليج مع إيران ليست في طموحها النووي فحسب؛ إنما دورها السياسي الذي تود استغلال قوتها العسكرية واستخدامها كورقة ضغط من خلاله!
إن العصابات الإيرانية في المنطقة دائماً كانت ومازالت تهدد بالتدخل الإيراني المباشر في المناطق العربية التي تعيث فيها إرهاباً، هذا بخلاف طبعاً التدخل الإيراني الخفي من خلال تزويدهم بالأسلحة ومعسكرات التدريب والمليشيات، فهل نسي أوباما ما فعله خلال أزمة البحرين حين كان يستخدم الوفاق كورقة ضغط على مملكة البحرين، ويورد اسمها في خطاباته وكأنها قوة سياسية عظمى ونظام دولة لا كيان سياسي ضئيل لا يمثل نصف الشعب البحريني ولا مكوناته السياسية، وحين كان هو وزمرة دكاكين حقوق الإنسان والمنظمات غير الحقوقية يتعمدون إغفال الواقع البحريني الأمني وفي إبراز نصف الكأس الفارغ لا الممتلئ من الحقيقة؟ لن ينسى الشعب البحريني معاناته من الاضطهاد الإعلامي في الوسائل الأمريكية ولا في خطابات أوباما نفسه حينما جمع بين الشأن السوري بالبحريني.
دول الخليج العربي التي كانت تمثل قوة إقليمية في قمة كامب ديفيد تفقه جيداً لأبجديات اللعبشة الأمريكية الجديدة، فالتلاحم الخليجي كان ملفتاً، وقد أسقط الكثير من تكهنات الأقلام الإيرانية المدسوسة والمغرضة التي يحلو لها دائماً إثارة وجود خلافات كبيرة بين دول الخليج، فحتى وإن لم يتم إشهار الاتحاد الخليجي لوجود ملفات عالقة، فكل تلك الادعاءات تبددت أمام القمة التي بدا فيها الموقف الخليجي قوياً ومكتملاً.
يدرك قادة دول الخليج أن أمن مملكة البحرين مرتبط بجميع دول الخليج وليس بالمملكة العربية السعودية فحسب؛ فالبحرين التي تاريخياً كان يطلق عليها دانة الخليج هي أيضاً مفتاح أمن الخليج وبوابته، وهم لم ينسوا بالتأكيد مواقف إدارة أوباما تجاه الأزمة الأمنية البحرينية، كما إن تأكيد الولايات المتحدة أنها ستدافع عن دول الخليج العربي في حال تعرضها لعدوان كلام في الهواء لا واقع له أما عدم السماح لإيران بالحصول على سلاح نووي، فهذا كلام لا يحتاج لتصريح بقدر ما يحتاج لتفعيل واقعي يظهر في تعامل السياسة الأمريكية في المنطقة العربية ككل.
إن القلق العميق الذي أبدته أمريكا في البيان الختامي لقمة كامب ديفيد بضرورة إبقاء المنطقة آمنة من الاعتداء الخارجي؛ يذكرنا بالأمين العام للأمم المتحدة الذي يعرف دائماً بإعرابه عن قلقه الدائم تجاه أي قضية، فهذه الكلمة المطاطية لم تعد تساوي شيئاً في نظر شعوب رأت ميزان أمريكا كيف كان أعوجاً ويميل لكفة الإرهابيين في المنطقة، وليس في كفة الشعب البحريني والخليجي الداعم لشرعية بلاده والحفاظ على أنظمة الحكم، أما مسألة إعلانها عن بناء علاقات متينة في كل المجالات بما فيها الدفاع والتعاون الأمني فله أكثر من تفسير، فهو قد يكون اعترافاً مبطناً أن أمريكا ترغب في إيجاد بناء جديد بعد الذي هدمته، أو أنه لم يكن هناك قبل هذه المرحلة بناء، أو أن بناءها مع دول الخليج لم يكتمل لذا فهي بحاجة إلى موازنات ضخمة وجديدة لأجل البناء.
إن كانت أمريكا تكافح الإرهاب فلما لا تعتذر وتكشف عن مدى تورطها في جر المنطقة العربية إلى حروب أهلية دمرت الشعوب وأغرقتها في برك الدماء والخراب، فمكافحة الإرهاب التي تدعيها لم نرها كشعب بحريني عام 2011 عندما كانت البحرين تعاني من مؤامرة دولية لسرقة شرعيتها كمملكة، كما لم نرها عندما تورطت في حرب العراق وسلمتها بيد إيران، ولا في موقفها إزاء القضية السورية الذي قتل شعبها بالأسلحة الكيماوية.
لم يعد هناك تعويل على السياسة الأمريكية تجاه دول الخليج في ضمان حماية أمنها، وكل ما خرجت به من بيانات كانت فضفاضة ملونة، وإن كانت جادة؛ فلما لم تخرج بموقف صريح تعتذر فيه عن خطاباتها غير الحيادية خلال أزمة البحرين 2011 من باب محاولة بحث كسب الثقة الخليجية مجدداً؟
يدعي أوباما أن التهديد الأكبر الذي تواجهه دول الخليج قد لا يكون قادماً من الغزو الإيراني ولكن من الغضب المتصاعد داخل دولهم، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ من يحاول إشعال هذا الغضب والفتن بين الشعوب الخليجية غير إيران من خلال تدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية لدول الخليج؟ عدا عن المخططات الأمريكية غير المكشوفة التي تبيع للجماعات الإرهابية خدعة الديمقراطية فيما لا تطبقها هي في بلادها إن حصل تهديد للأمن الداخلي؟
أمريكا أمام اتحاد دول الخليج كقوة إقليمية متصاعدة وبحثهم عن تحالفات جديدة فيما يخص القوى الإقليمية الجديدة اللاعبة في الساحة الدولية تخشى أن تغيب عن هذا المشهد، لذا فلم تجد بداً من محاولاتها لبيع قواعد الصواريخ لدول الخليج إدراكاً منها أن دول الخليج لاعب مهم في الساحة الدولية، وأن أمن الخليج جزء من الأمن الدولي وأن ما ينقصه ليثبت وجوده أكثر امتلاك القدرات العسكرية والتكنولوجية، فالأساس للضمانة الأمنية سيضعها الخليجيون بأنفسهم وليست الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أثبتت التجربة أن التبعية الأمنية لأمريكا لا تفيد اليوم، فإدارة أوباما فشلت في الإيفاء بوعودها، لذلك فالخليجيون يدركون أكثر من غيرهم أن أمن دول الخليج ليس خطاً أحمر عند أمريكا؛ إنما من الممكن جداً أن يتحول إلى اللون الأخضر في حال تغير مصالحها.
- إحساس عابر..
لا يمكن نسيان الصواريخ الأمريكية الكلامية التي رآها شعب مملكة البحرين خلال عام 2011، في الصغر كنا نضع "الصاروخ" وهو نوع من أنواع "الجراخيات" فإن لم يشتعل كنا نقول عنه فاسداً، لذلك فنحن نحشى أن تكون القواعد الصاروخية التي ستقيمها أمريكا لحماية دول الخليج ضد إيران من هذا النوع.