أن يعرض أحدهم نفسه في ساحة عامة ليصفعه القاصي والداني وهو في حالة من الاضطراب والارتباك؛ فإنه سفاهة وانحدار، فيما لا يمكن القول عن التغطرس داخل هذا المشهد إلا أنه غباء وبله. إنه الوصف الأمثل الذي تراءى لي تقديمه اليوم لإيران وهي تشهد انحداراتها وتجر أذيال خيبتها في ساحات ظنت يوماً أنها اللاعب الأوحد عليها.
ويبدو أن "عاصفة الحزم" بما حققته من نجاحات مربكة لصانع القرار السياسي الإيراني، أسهمت في إذهاب عقله ليتدلى لسانه بلهاً وجنوناً عوضاً عن لعابه السائل للنيل من دول الخليج العربي، فعاصفة الحزم لم تسهم في تراجع نفوذ إيران في اليمن وحسب؛ وإنما كانت ببساطة حفل افتتاح مهرجان "الجرأة على إيران"، والذي أتوقع أن ترتفع نسبة الجهات الفاعلة فيه باختلاف التوجهات والسياسات والغايات. إن مهرجاناً كهذا لا يجتمع فيه الفاعلون إلا افتراضياً، فيما يتقاسمون دونما تخطيط أو تدبير مواطن النفوذ الإيراني.
إيران.. تواجه اليوم مأزقاً أكبر مما سبق في اليمن، متمثلاً في تراجع نفوذها في سوريا إثر اجتياح داعش لجانب من الأراضي السورية وآخرها الثلث الشمالي من تدمر بكل ما فيه من إرث تاريخي عالمي، فضلاً عن طامتها الكبرى في العراق بعد سقوط جزء لا يستهان به منها في أيدي الدواعش، مع الأخذ بالاعتبار ما للعراق من أهمية استراتيجية وتاريخية ودينية-سياسية كبرى بالنسبة لإيران، وهو ما يعني انحسار نفوذها في المنطقة، وضياع حلمها الوردي من بين يديها راغمةً صاغرة، في وقت كانت قد ارتفعت فيه وتيرة التبجح الإيراني، واهمة بقوة مضافة يحققها الاتفاق النووي، وفي حين استعدادها لـ"نفش" ريشها كالطاووس على امتداد الخليج العربي، تشهد أهم انكساراتها وتساقط أوراق التوت.
جاء في تصريح لوزير الدفاع الإيراني حسين دهقان: "منذ بدء تهديد داعش، وقفت إيران إلى جانب الحكومة والشعب العراقيين، وستبقى كذلك طالما أن هذا التهديد موجود"، كان ذلك بعد قوله إن "دعم العراق في مواجهة الأزمات الأمنية يشكل جزءاً من السياسة الثابتة لإيران"، فيما يبدو أن الوقوف الإيراني إلى جانب العراق لم يكن سوى بوم خراب "يزنّ" على خراب العش المهترئ والذي عملت إيران على إضعافه بصفة منظمة وإخضاعه لإمرتها في سنوات سابقة قليلة. لكن الملاحظ أن ليس ثمة دعم أمني حقيقي يضمن أمن "الرمادي" بعدما شنت داعش هجومها الواسع عليها ما مكن التنظيم من السيطرة على المنطقة، وهو ما يؤكد الضعف الإيراني وفقدان السيطرة، وأن إيران تستفحل أخطاءها الاستراتيجية بعدما انتهجت سياسة "الظاهرة الصوتية"، ما يشي بفراغها الداخلي وخوائها المفضوح.
اختلاج النبض..
ستخرج إيران من المنطقة كلاعب رئيس قريباً جداً، ولاشك أن تردي النفوذ الإيراني لم يعد يقتصر على أطماع المد الخارجي والهيمنة على الخليج وحسب، في ظل ما تشهده من اضطرابات داخلية وفترات احتجاجات متقاربة آخرها في "أذربيجان".. وهو ما يعني أن الفرصة مواتية أكثر من ذي قبل لتلقين إيران مزيداً من الدروس، ودعم الحركات الانفصالية في الداخل الإيراني لتشتيت آخر ما تبقى لها من تركيز وعزيمة.. الأمر يستحق همة خليجية.