أن يقف 86 شخصاً من العاملين في الصحافة ممن خدموا في بلاط صاحبة الجلالة أكثر من 15 عاماً على منصة التكريم أمام حضرة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر لهو أمر جليل ومصدر فخر واعتزاز لكل المكرمين، فاحتفالية الأمس لم تكن للتكريم فقط، بل تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك لتصل إلى تجديد الثقة في الكادر الوطني، ومضاعفة حجم المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق الجسم الصحافي.
لقد أكد رئيس الوزراء الموقر حاجة المجتمع إلى فكر مستنير وخطاب إعلامي ينسجم ومعطيات العصر ويؤمن بالحرية وقبول الآخر وتوظيف كل ذلك في خدمة المجتمع، وهذا بالضبط ما يزيد من ثقل الحمولة الملقاة على عاتق الإعلاميين اليوم في قيادة وتشكيل خطاب مستنير يحقق هذه الأهداف على أرض الواقع.
المواطن أولاً، كلمة يجب العمل من أجلها وأن يتم تبنيها دائماً، فهي في حد ذاتها هدف يوضع نصب الأعين، فالعمل على برامج واضحة تستهدف خدمة المواطن ليس حاجة مجتمعية فقط بل هو بمثابة طوق النجاة الذي يخرجنا من دهاليز المشاكل السياسية والاجتماعية، فالمواطن هو الشغل الشاغل في المرحلة القادمة، وتوجيه سموه جاء ليؤكد أهمية الانشغال بالأمور التي تهم مصالح المواطن ورفاهيته والاشتغال بها.
في هذا الحفل، وقفنا كمكرمين نستذكر دور الرواد في العمل الصحافي، الذين وضعوا اللبنات الأولى، لنجدد العهد بدورنا على إكمال هذا الطريق بعمل دائم وحب لهذه المهنة التي تستحق كل التقدير، فتقدم وتطور الصحافة ليس صنيع اليد الواحدة، بل هو نتاج تراكم خبرات، وتطور يأتي بتعاقب الأجيال، وهذا ما يجعلنا نؤكد في هذا اليوم على أهمية الحفاظ على الكادر الموجود وتهيئة الظروف لتكون المهنة جاذبة لا طاردة.
نعم، نريد للصحافة أن تكون حرة، ولكن هذه الحرية لا تعني الفوضى أو الضرب يميناً وشمالاً، فالحرية المطلوبة هي الحرية المسؤولة التي تبني لا تهدم، والتي تقوم الخطأ لا تزيده سوءاً، فما أحوجنا إلى الغربلة والعمل وفق خطة واضحة تخدم البحرين وتنهض بها.
لحفل الأمس دلالات عميقة تسجل في ذاكرة البحرين، فصاحب السمو الأمير خليفة بن سلمان يحرص دائماً على متابعة الصحافة، من عناوين الصفحة الأولى مروراً بالأخبار والمقالات وصولاً إلى رسائل القراء في باب البريد، وهذه النظرة الشاملة تدل على اهتمامه بجوهر الرسالة الإعلامية التي يجب أن تصب في صالح المواطن كما هي توجيهاته الدائمة.
ماذا نريد من الصحافة اليوم، وماذا تريد الصحافة منا؟ سؤالان ترسم إجابتهما ملامح مستقبل يجب أن يكون أكثر إنجازاً وعطاء، فتقدم الأمم يقاس بتقدم إعلامها، وإن أردنا تطور الإعلام وأساليبه فلابد من توفير الضمانات أولاً ومن ثم تهيئة الأرضية لانطلاقة متجددة، عندها فقط سنكون على قدر مسؤولية صناعة الإعلام الوطني القادر على التغيير والمنافسة.
ما الذي نحتاجه اليوم؟، نحن بحاجة إلى العمل على التكامل بين مؤسسات الإعلام الوطني المختلفة، الرسمية منها والأهلية، في ظل قانون مستنير يضمن حق التعبير والحصول على المعلومة ، من أجل إظهار وجه البحرين المشرق، والعمل وفق خطة مدروسة وواضحة تضع البحرين في مكانها الصحيح، وتبرز إنجازاتها وتقلص من إخفاقاتها، فالبحرين تستحق لأن توضع داخل إطار إعلامي مضيء يليق بها.
الواقع الإعلامي المحلي ليس وردياً حتماً، إذ نواجه تحديات كثيرة مقارنة بصغر حجم مملكتنا، ولكن يبقى الهم في كيفية مواجهة هذه التحديات، باختيار أساليب صحيحة، وطرق ملائمة، فآليات الـتأثير مختلفة، وفاعلية العمل متفاوتة، لذلك لابد من دراسة واقعنا أولاً من ثم الانطلاق نحو أداء مختلف في إيقاعه، لاسيما وأن أي إصلاح في المجتمع سواء كان اجتماعياً أو اقتصادياً أو مهنياً، لن يتم دون إصلاح إعلامي.
لكل ما تقدم .. يأتي الإعلام في المقدمة.. ويجب أن يبقى كذلك.