أوجه الشبه كبيرة بين الجماعات الثيوقراطية الراديكالية المنتشرة في دول مجلس التعاون والمعروفة بتبعيتها لطهران، ولكن من الواضح أن هناك حقيقة لم ننتبه لها كثيراً حتى الآن، تتعلق بقدرة هذه الجماعات على الاندماج السياسي في المجتمعات والانخراط في العملية السياسية.
سنقدم هنا مقارنة بين هذه الجماعات في كل من البحرين واليمن وبعدها يمكن الخروج بخلاصات عدة. في البحرين عندما نشطت الجماعات الثيوقراطية الراديكالية قبل سنوات عدة ونفذت محاولة انقلابية لتغيير النظام السياسي وفشلت، لم تتمكن كثيراً من الاندماج في المجتمع سواءً على مستوى مكوناته من سنة وشيعة وغيرهما، أو حتى على مستوى الاندماج والتطبيع مع مؤسسات الدولة المختلفة. وعندما أتيح المجال لهذه الجماعات للحوار السياسي وتحقيق توافقات عالية السقف فشلت هذه الجماعات فشلاً ذريعاً ولم تتمكن من التأقلم مع أجواء حوار سياسي جاد، وكان نتاجها صفراً، فأثبتت عدم مرونتها السياسية وعدم قدرتها على تسويق رؤيتها السياسية داخلياً أو خارجياً.
ننتقل لليمن حيث جماعة الحوثي وهي أيضاً جماعة ثيوقراطية راديكالية تربطها علاقات وثيقة مع طهران وتعد الذراع اليمنية لإيران. هذه الجماعة تمردت على النظام السياسي الشرعي وسعت لقلب نظام الحكم هناك وتلاعبت بالأمن والاستقرار.
طرحت المبادرة الخليجية لتحقيق الأمن وتثبيت الشرعية في اليمن، فرفضت هذه الجماعة الثيوقراطية الراديكالية هذه المبادرة وتمت مواجهة هذه الجماعة بعملية عاصفة الحزم، وبعدها إعادة الأمل ومازالت مستمرة.
رغـــــــم ذلك دعــــــــوات الحــــــــوار كانــت مستمرة، حيث ظهرت الدعوة للمشاركة في حوار سياسي شامل في العاصمة السعودية الرياض ولكن جماعة الحوثي رفضت. وخلال اليومين الماضيين عقد مؤتمر عام يشمل كافة الفرقاء السياسيين في اليمن، ولكن الحوثيين رفضوا المشاركة حتى صدر إعلان الرياض حول إنقاذ اليمن بدون مشاركتهم. خلاصة المقارنة أن مثل هذه الجماعات الثيوقراطية الراديكالية لا يمكن للمجتمعات العربية أن تستوعبها، لأنها ترفض التعايش السلمي وترفض قبول الآخر مهما كانت الأسباب والظروف. بل هي -أي الجماعات- متمسكة بأجندتها السياسية حتى آخر رمق ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تعترف بأخطائها.
صعوبة إن لم يكن استحالة الاندماج السياسي والانخراط في العملية السياسية باتت سمة واضحة للجماعات الثيوقراطية الراديكالية في الشرق الأوسط، ولا يمكن التعامل معها إلا وفق هذه الحقيقة وبمثل المواصفات التي تنطبق على جماعات ولاية الفقيه، فإنها تنطبق أيضاً على جماعات أخرى مماثلة مثل القاعدة وداعش وهذه المعطيات تفرض على هذه الجماعات حالة من العزلة السياسية المزمنة.