تحولت قضية الفتاة البحرينية الهاربة من منزلها لتعيش مع «بويات» إلى قضية رأي عام دفعت الكثير من أولياء الأمور والنواب للتحرك والبحث في القضية على أمل إيجاد علاج لها قبل أن تستفحل وتنتشر، وكان الهدف الرئيس تدارك القضية وحلها من منطلق الوقاية خير من العلاج.
فمثل هذه القضايا تحمل أبعاداً أمنية ومجتمعية وثقافية، بل حتى إنها تمس بسمعة البحرين وتعمل على استغلالها من قبل الأطراف التي لا تريد خيراً لمملكة البحرين وشعبها، لذا فمهمة أي كاتب إبرازها والتحذير منها والتنوير بشأنها، وللأسف الشديد لدينا في البحرين قناعة تعمل وفق مبدأ افتراض سوء النية، واعتقاداً بأن الكاتب عندما ينتقد أو يكشف خللاً فإنه يستهدف مسؤولين ويتحامل على جهات معينة، والحقيقة أنه يسعى وفق واجبه الوطني والديني والمهني إلى العلاج والإصلاح والتنبيه لما يجري خلف الكواليس، كما أن هذه القضية تحتاج لتدخل سريع من القيادة الحكيمة أمام هذا الفراغ التشريعي الذي يعتبر باباً لتفكيك المجتمع.
اليوم ورد إلينا أن هناك أكثر من حالة هروب لفتيات لأسباب متعددة، فإن لم تتم معالجة المسألة بشكل عاجل فستتحول إلى ظاهرة تنتشر في كل منزل وعائلة، والجهة التنفيذية متمثلة في وزارة الداخلية عليها تنفيذ القانون وهي غير مختصة بعلاج القضية، حتى وإن قام بعض المسؤولين باجتهادات شخصية فهي تأتي من غيرتهم الوطنية وضميرهم الحي، لذا فقضيتنا الأساسية عنوانها الرئيس «فتيات يهربن من منازلهن ويرغبن بالعيش خارجه وقد يمارسن أفعالاً تؤثر على سمعة عائلاتهم مما يعمل على تفكك الأسر وزيادة المشكلات!».
فقضية الفتاة الهاربة مع «البويات» -التي خرجت للسطح- لا تعني التطرق إليها وحلها، فالمشكلة انتهت، وإن حدود المسألة يقف عند تفاصيل هذه القصة فقط التي جاءت كالمنبه لأهمية إيجاد تشريع يحوي مواد قانونية صريحة تنظم قضية هروب الفتيات وتحدد الإجراءات الواجب اتخاذها عند التعامل مع هذه الحالات، ولا يمكن ترك الفتاة التي تهرب في الشارع، بل ومن غير المنطقي، عندما يثبت الأهل أنها تقوم بأفعال خاطئة، عدم القدرة على اتخاذ أي إجراء ضدها بسبب عدم وجود نص قانوني صريح يردعها.
إن ترك المسألة عائمة ودعوة الأهل لنسيان ابنتهم الهاربة وعدم اتخاذ موقف أو إجراءات، أمر غير منطقي، لأنه يجر مشاكل أكبر وأخطر، ليس على أهل الفتاة فحسب، إنما على المجتمع أيضاً، فقد تنخرط هذه الفتيات في أعمال منافية للآداب والأخلاق العامة، فتكبر دائرة المشكلات والفساد الأخلاقي في المجتمع، كما أن الفتاة التي تسافر إلى الخارج قد يتم استغلالها في علاقات غير شرعية. إحدى السيدات تساءلت: «ماذا سأفعل وكيف سيكون موقفي لو جاءتني ابنتي وأخبرتني أنها تريد أن تعيش مثل حياة الأجانب وأن تقابل رجلاً ولا يوجد قانون يلزمها بأن تبقى معي؟».
كما أن ترك الفتاة في الشارع لمصير مبهم قد يجعلها غنيمة سهلة لعصابات الاتجار بالبشر أو مدمني الخمور والمخدرات، ما يساعد على زيادة الجرائم بالمجتمع، فحتى مسألة عيشها في شقة لوحدها لا تضمن لها سلامتها، خصوصاً في بعض المناطق، كما أن هناك إجراءات وأنظمة عند تأجير الشقق وغرف الفنادق والتي عادة تؤجر على العائلات، وعلامة الاستفهام هنا؛ كيف تحصل مثل هذه الفتيات على هذه الشقق بسهولة؟
أصل دستور مملكة البحرين يقوم على مبدأ الشريعة الإسلامية، وفي الإسلام لا يمكن للفتاة مهما بلغت من العمر أن تكون بلا ولي أمر، بمعنى أن ولاية المرأة تنتقل من والدها إلى زوجها، وقد تعود إلى ولي الأمر من أب أو عم أو أخ في حال طلاقها أو وفاة زوجها، أما أن تظل الفتاة تسرح وتمرح بلا ولي أمر، فهذا غير موجود في نظامنا الإسلامي، ولا حتى في مجتمعاتنا الخليجية المحافظة، فحتى في مسألة الزواج لا يمكن للقاضي أن يزوجها في حال اعتراض ولي الأمر.
ولأن الحالات تختلف فلا يمكن التعميم عند الشروع في علاج هذه المسألة، فهناك من تنحرف نتيجة الإهمال التربوي والبيئة المنزلية، وهناك من تحصل على أحسن تربية ولكنها تتغير فجأة نتيجة ضعف في شخصيتها واختلاطها برفيقات السوء، لذا فلا يمكن رمي العلاج على العوامل التي تعد من المتغيرات، إنما العلاج يكمن في الضبط من خلال نصوص قانونية ثابتة.
ختاماً، وجهت عائلة الفتاة الهاربة الشكر إلى المسؤولين في وزارة الداخلية والنواب المتضامنين مع قضيتهم، موضحين أن الكثير منهم قد قاموا باجتهادات شخصية وبذلوا الكثير من وقتهم لأجل متابعة القضية وإيجاد حل لها، شاكرين في المقام الأول معالي وزير الداخلية على تجاوبه السريع وحثه المسؤولين على متابعة القضية.