«الذي يجري في العراق احتلال فارسي مباشر وشامل مغلف بغلاف ديني»؛ هذا القول المنسوب إلى عزة الدوري، نائب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، والذي لم يتبين بعد أنه حي أو ميت تؤكده شواهد كثيرة، ويكفي معرفة أن السلطة في العراق لم تعد تشك خيطاً في إبرة من دون موافقة طهران، تماماً مثلما هو الحال في سوريا وفي بعض لبنان (حزب الله) وبعض اليمن (الحوثيين)، فإيران اليوم تحتل العراق وسوريا وجزءاً من لبنان وجزءاً من اليمن وتتطلع إلى احتلال دول عربية عديدة، لن نقول إن من بينها البحرين كي لا يضيق البعض المهووس بإيران والتي هي في نظره المثال والنموذج والصدق والطهر من هكذا اتهام، ذلك أن كل من يتهم إيران أو يحاول أن يلقي الضوء على أخطائها وممارساتها السالبة ويحاول أن ينشر الحقائق عنها هو في نظر هذا البعض ظالم لنفسه ومتجن عليها أو ربما مجنون.
مؤلم أن يصل البعض هنا إلى قناعة بأن إيران هي المنقذ وأنها لا تريد له إلا الخير وليس لها أي أطماع في المنطقة، فيضع بيضه كله في سلتها ويردد ما تقوله، صحيحاً كان أم خطأً، باعتبارها الدولة الوحيدة في العالم التي لا يمكن للباطل أن يأتيها لا من فوقها ولا من تحت أرجلها.
قبل أيام جاءني من يخبرني بأن «الجماعة متضايقين» من تخصيص بعض مقالاتي للكتابة عن إيران وإبداء وجهة نظري في سلوكها ومواقفها وممارساتها، فقلت إن هذا أمر طبيعي ولو أنه يكشف عن حالة التناقض التي يعيشونها، فمن غير المعقول أن يضيق بالرأي الآخر من يخرج في مظاهرات يطالب فيها بمزيد من الحريات ويرفع الشعارات الديمقراطية، ومن غير المعقول ألا تكون لديهم القدرة على الاستماع إلى الآخر الذي ربما استفادوا من قوله لو تمعنوا فيه وكانوا موضوعيين، فإيران هذه التي صاروا مولعين بها تحرص على ألا تبين لهم ما تقوم به في الداخل وما صار يعاني منه شعبها الذي ضاقت به السجون وضاق بالحياة ولم يعد له سوى أن يثور ضد السلطة فيها ويفضحها.
ليس منطقاً التوقف عن الكتابة عن إيران وهي ماضية في احتلال البلاد العربية واحدة في إثر أخرى، وليس منطقاً التوقف عن فضحها وهي تقوم بكل هذه الممارسات التي أساسها أن قتل الآخر، أياً كانت الأسباب، حلال طالما أن هذا يوفر الزمن ويفضي إلى السيطرة على المنطقة واستعادة الإمبراطورية الفارسية.
اليوم تعاني بلادنا العربية من إيران وأطماعها ولا بد من الوقوف في وجهها. من يحارب في العراق هي إيران وإن كان حاملو السلاح عراقيين، ومن يحارب في سوريا هي إيران وإن كان حاملو السلاح سوريين، وهي نفسها التي تحارب في اليمن وفي لبنان وتعد العدة لتحارب في دول عربية أخرى، فإيران اليوم تعاني من مشكلة تضخم الأنا وتعتقد أن بإمكانها أن تسيطر على الوطن العربي بأكمله، خصوصاً وأنها ترفع الشعارات التي تغري بعض الشعوب بالمحاربة نيابة عنها.
انتقاد إيران في هذه المرحلة واجب وطني، وهو واجب غير مقتصر على أصحاب الأقلام والصحافيين، فلا بد أن يشارك الجميع في فضحها وبيان التناقضات التي تعيشها.
القرارات التي خرجت بها القمة الخليجية الأمريكية بكامب ديفيد توفر بعض الاطمئنان وليس كله، فعندما يكون ما نراه حالياً من فعل إيران يتم وهي لا تزال خارج الاعتراف الدولي بانضمامها إلى النادي النووي، فكيف سيكون سلوكها وتصرفها عندما يتم التوقيع على الاتفاق النهائي وتشعر أنها الأقوى في المنطقة؟
من الطبيعي أن تضيق «الجماعة» بانتقادنا لإيران، ولكن من الطبيعي أيضاً أن ننتقدها.