في مطار البحرين الدولي قبل أيام قلائل جلست أدندن وحدي مستحضرة ذكريات الطفولة «خذينا وطيري.. لدنيا الأثير.. وزوري بلاد العجائب زوري».. من منكم يذكر تلك الكلمات؟ إنها مقطع من أغنية قصة الأطفال الشهيرة «أليس في بلاد العجائب»، ولم أكن أتوقع أبداً أن تحمل «أليس» الحاضرة في ذهني تلك الكلمات محمل الجد وتقتادني لدنيا العجائب فعلاً، ولكنها فعلاً إذ أخذتني لدنيا عجائب العرب «دبي»!
إنها المرة الأولى التي أحضر فيها منتدى الإعلام العربي في دورته الرابعة عشرة، والذي تكمن أهميته في كونه تمظهرة ثقافية إعلامية سنوية رفيعة المستوى، وهو مناسبة حقيقية للاطلاع على ما تشهده دبي من تطورات سنوياً على أقل تقدير.
جاء المنتدى هذا العام تحت عنوان «اتجاهات جديدة»، ولعله خلق في نفوس المشاركين وعقولهم بعض الاتجاهات الجديدة ليس على المستوى الإعلامي وحسب، وإنما في واقع النهضة الشاملة التي تشهدها الإمارات ودبي تحديداً ومدى ما يحظى به العاملون في المؤسسات الإعلامية بدولة الإمارات من رقي وامتياز وتفوق، فضلاً عن الإعلاميين المواطنين وهو ما انعكس جلياً في التفاصيل الإبداعية للمنتدى والتمكن في إدارة فعاليات بهذه الضخامة على قدر عالٍ من الحرفية والتميز.
على الرغم من الجموع الغفيرة هناك.. كانت ثمة فرصة كبيرة ملحة للتساؤل عن دور الإعلاميين الخليجيين، والبحرينيين خصوصاً في حضور مثل تلك الفعاليات الهامة، وعن حجم الدعم الذي يتحصل عليه إعلاميو البحرين والخليج في المشاركة بهذا النوع من المنتديات والمؤتمرات التخصصية. وليس ثمة اعتباط في طرح هذا السؤال عندما يكون مبنياً على الالتقاء فقط بواحد أو اثنين من رؤساء التحرير للمؤسسات الإعلامية في دولة ما ونزر يسير من الإعلاميين لا يتجاوز ربما عدد الأصابع من مؤسسات إعلامية متفرقة، ما يجعلك تدرك تماماً حجم الإنفاق الذي «تبذله» دولة ما ومؤسساتها المتخصصة لتمثيلها في الخارج، ولحضورها في الذهن الخليجي أو العربي، وما يدعوك للتيقن أن أغلب أن تلك الحالات القليلة من الحضور إنما هي جهود فردية لا تمت للمؤسسات الإعلامية بصلة. في الوقت الذي تلحظ فيه جلياً حجم الإنفاق الذي تشهده الفعالية بكل تفصيلاتها ومستوى الاستضافة في «الإمارات» المضيافة دائماً.
عندما يستوقفك حجم المؤسسات الإعلامية الحاضرة لتغطية الحدث وتجد في فعاليات ذات أهمية في بلدك كاميرا متواضعة في إحدى الزوايا ومصوراً فوتوغرافياً أحضرته الجهة المنظمة لتغطية الحدث لترسل صورها فيما بعد للصحف، تدرك تماماً حجم التردي الذي يشهده إعلامنا في عدد من الدول الخليجية، والبون الشاسع بين ما وصلت إليه دبي أو تحققه الإمارات بشكل عام وبين دول خليجية أخرى لا يفترض أن تكون أقل شأناً لاسيما إن كانت الرائدة في الإعلام في سنوات مضت عفا عليها الزمن.
يستوقفك مستوى الرعايات التي يحظى بها منتدى الإعلام العربي من شركات في قطاعات مختلفة، ودعم لا متناهٍ كل حسب مجاله، ثم تبحث في دولة أخرى عن رعاية لمنتدى أو مؤتمر فلا تجد إلا كثيراً من الأبواب المغلقة وقليلاً جداً من الجهات الداعمة بالمنة، لتستوحي من ذلك معنى أن تمنح تلك المؤسسات من أرباحها لتسهم في نهضة وطن نهضت على أرضه، مستلهمة تلك السياسة من وحي قادتها وفكرهم المتوقد، لتدرك حجم الاضمحلال الذي يعاني منه المجتمع الخليجي عموماً وبلدان أخرى محددة.
«أليس» منحتني فرصة كبرى للاطلاع على تجربة مميزة على كل المقاييس، والدخول في عالم عجائبي لم أشهده من ذي قبل في بلدان خليجية أخرى، فهل سيتحقق حلماً لأن أدعو «أليس» يوماً لعجيبة من العجائب في بلدي البحرين؟! لست أدري!!
- اختلاج النبض..
عند الحديث عما وصلت إليه الإمارات من رقي ونهضة، فإننا ندعو لها بدوام الازدهار والعطاء اللهم لا حسد، تفوق مستحق، ولكنها دعوة لدول أخرى للمقارنة والمقاربة في مستوى الإنجاز والتنمية.