لم أكن أعرف أن الأغنية الشعبية التي كنت وأقراني نتغنى بها أثناء اللعب ونمثلها ببراءة هي مشهد سياسي واقعي نعيشه اليوم.
فعندما كنا صغاراً كنا نقوم بتمثيل دور الأم ودور الذئب، وكان الذئب يهدد ويقول «أنا الذيب باكلكم»؛ بمعنى أنا الذئب وسوف أأكلكم، فيرد عليه اللاعب الثاني والذي يتقمص دور الأم ويقول «أنا الأم باحميكم»؛ بمعنى أنا الأم وسأتكفل بحمايتكم، وكان اللاعبان يتاقذفان الضحية في مشهد درامي رائع حتى يفوز أحد اللاعبين في صيد الضحية والانقضاض عليها.
أعتقد أن ما حصل في كامب ديفيد هو تجسيد فعلي للعبة الشعبية التي كنا نلعبها والمألوفة لدينا، وكأن موروثنا الشعبي كان يدربنا للمستقبل، فإيران تهددنا من جانب والأم «أمريكا» تتوعد بحمايتنا، وبين التهديدات والوعود نعيش وضعاً لا نحسد عليه.
ومع أن البيان الصادر من البيت الأبيض عقب قمة كامب ديفيد موحد؛ إلا أن التحليلات التي طالعتنا بها الصحف العربية غير متفقة، فبينما نقلت الصحف المحلية البحرينية عناوين مفادها «أمريكا تقف مع دول الخليج وستنشئ نظاماً صاروخياً ونظاماً مبكراً لتسريع نقل الأسلحة في حالة تعرض أي دولة خليجية لأي اعتداء»، تقول الصحف القطرية: «أوباما يطلب دعم زعماء دول الخليج»، وعلى المنوال ذاته تقول الصحف اللبنانية: «أوباما يبحث في كامب ديفيد عن الثقة الخليجية» و»أوباما يحتوي غضب الخليج».
هذا وحملت الصحف الأردنية عنواناً يقول: «أوباما يطمئن دول الخليج بشأن إيران والأمن»، وعلى النقيض تماماً، تقول اليوم السابع المصرية في عنوانٍ على صدر صفحتها الأولى: «أوباما يفشل في طمأنة دول الخليج حول النفوذ الإيراني، وحلفاء واشنطن يريدون نتائج محددة لقمة كامب ديفيد».
كما تقول الأنوار اللبنانية: «قمة كامب ديفيد.. دعم دول الخليج بمنظومة صاروخية أمريكية».
أما الرأي الكويتية فتقول: «مطالبة خليجية في كامب ديفيد ببرنامج نووي شبيه بالإيراني، أوباما فوجئ بالأمر وتلعثم فطلب من وزير الطاقة شرح الشؤون التقنية التي أدرجت في التفاهم مع طهران». وفي عنوان آخر حملته بعض الصحف السعودية «واشنطن ستستخدم القوة العسكرية للدفاع عن شركائها الخليجيين، وتتعهد ببناء قدرات صاروخية في المنطقة»، وفي عنوان مشابه، تقول الصحف الإماراتية: «التزام أمريكي بالدفاع عسكرياً عن دول التعاون».
ووسط هذه العناوين يلعب المواطن الخليجي دور الضحية في اللعبة التراثية حيث إن إيران تصعد تهديدها وأمريكا تصعد وعودها «غير الموثوقة» للدفاع عن الخليج. وبين هذه الأصوات المرتفعة يقف المواطن الخليجي مترقباً لما سيؤول إليه الوضع في الخليج. فما هي التدابير التي ستنتهجها دول الخليج من أجل صد التهديدات الإيرانية؟ وماذا ستفعل حيال الحركات الإرهابية؟ وكيف ستتصدى للطابور الخامس الذي يعيش وسطنا؟ وكيف ستتعامل مع ما يحدث في عدد من الدول العربية مثل سوريا واليمن؟ كل هذه الأسئلة يجتهد قادة الرأي في تفسيرها وتحليلها إلا أن المصير مجهول. فكيف لا يكون مصيرنا مجهولاً في ظل افتقادنا إلى سلاح رادع يحمي دولنا الخليجية.
أتمنى أن تفاجئنا دول الخليج في هذا الوقت الراهن بقرار الاتحاد، وقرار تملك سلاح نووي أسوة بباقي الدول، كما أتمنى من الدول الخليجية الاستعانة بالدول «الصديقة» فعلاً في عملية التسليح بدلاً من اللجوء إلى دول «متلونة» في علاقاتها معنا