يشهد الله أن أهل البحرين ذهبوا للتصويت في الانتخابات الأخيرة حباً في وطنهم، وهي فزعة مواطن قلبه على وطنه، يقف كالسد أمام محاولات اختطافه، من أجل ذلك فزعت الناس للانتخابات.
تلك الفزعة الكبيرة التي شهد لها القاصي والداني؛ إنما كانت حباً لهذا الوطن ودحراً لمشروع الخيانة والغدر، ومشروع مقاطعة ممن لم تعد مقاطعتهم تشكل تأثيراً إلا على أنفسهم، حين يفقدون تمثيلهم في المجلس، على الأقل لجلب مكاسب إسكان وغيرها من خدمات.
لم يذهب أهل البحرين للتصويت من أجل سواد عيون بعض النواب، إنما ذهبوا من أجل البحرين التي يحبونها، كأن أهل البحرين يقولون في أنفسهم «معليش صعدوا على أكتافنا، لكن البحرين أهم لدينا من المجلس وأعضائه)!
حين أتحدث عن النواب فإني لا أحب أن أجمعهم كلهم، فهناك (حتى وإن كانوا قلة) من نحسبهم محترمين ولا نريد أن نأخذهم بذنب آخرين، غير أنه حتى الإخوة المحترمين يجب أن نسمع رأيهم في مشاريع تشوّه صورتهم، أو أن يرفضوها جملة وتفصيلاً.
بالأمس قلت إن أهل البحرين يحبون «الرفع»؛ رفع مستوى المعيشة، رفع مستوى إيرادات الدولة. لكن الإخوة النواب تلقفوا الأمر وأرادوا رفع سقف تقاعدهم حتى لا يقف عند حدود 4000 دينار..!
والله لا أعلم ماذا أقول؛ أو كما يقول إخوتنا المصريون «اللي اختشوا ماتوا»، أو ينطبق عليكم المثل البحريني «يا من شرى له من حلاله عله».
الناس يريدون منكم أن تحققوا لهم مكاسب، وأنتم تبحثون عن مكاسب تقاعدكم الذي وصل سقفه لـ 4000 دينار، بينما هذا أيضاً لا يعجبكم، وتريدون وتريدون المزيد، وتريدون رفع السقف..؟
بالله عليكم كيف ستبحثون تقليص المصروفات الحكومية بالميزانية الجديدة؟ أو كيف تبحثون تقليص ميزانيات جهات وضعت لها ميزانية مبالغ فيها؛ وأنتم تريدون أن تزيدوا مصروفاتكم وتقاعدكم؟
لم يمض عام ونصف على فوزكم بالانتخابات حتى ذهبتم لتبحثوا عن زيادة رواتبكم التقاعدية؟
هل ليس لديكم ثقة بأنكم ستفوزون في الانتخابات القادمة من أجل ذلك تبحثون عن التقاعد أولاً؟
في كل دورة انتخابية جديدة يحدث ذات الأمر، حتى الكتلة الانقلابية حين كانت بالمجلس أيضاً كانت مؤيدة لموضوع زيادة امتيازات وتقاعد النواب، وهذا يدل أن هناك عدداً ليس بالقليل يبحث عن مصالحه الشخصية، أما الشعب.. وتقاعد الشعب وتوحيد مزايا التقاعد بين القطاعين فلا توجد محاسبة عليه.
إذا كان السادة النواب يبحثون تخفيض المصروفات المتكررة، وتخفيض ميزانية جهات حكومية وهيئات حكومية لصالح مشاريع حيوية للمواطن فإن على المجلس أن يخفض هو مصروفاته ونفقاته ونفقات السفر ومخصصاتها حتى يضرب لنا مثلاً في الحفاظ على المال العام.
تمت إحالة الميزانية العامة إلى المجلس النيابي، وأعتقد أن أكبر محك أمام النواب سيكون في طريقة تعاطيهم مع الميزانية، بينما يترقب الرأي العام ذلك، ويبدو أن السادة النواب لن يحققوا المطلوب منهم في هذا الشأن عطفاً على ما نراه مؤخراً. كما يبدو أنكم ستمررون قروضاً مبالغاً فيها جداً لجهات، وهذا سيلقي بتبعاته على الميزانية العامة. أردناكم أن تحققون إنجازات معيشية للمواطن، فإذا بكم تبحثون عن امتيازات لكم بعد مغادرة المجلس، وهذا يعزز فكرة أن هناك من يصل من أجل مكاسب شخصية ويرحل لأنه يعرف أن الناس لن يصوتوا له مرة أخرى.
سـري للـغاية..!!
يروي أحد المواطنين قصة زيارته لجزيرة نائية في أحد المحيطات الخاضعة للتاج البريطاني، فيقول: «ذهبت إلى هذه الجزيرة وإذا لديهم مطار بسيط، وهي أيضاً جزيرة صغيرة، وحين قابلت أحد المقيمين بالجزيرة قلت في نفسي كيف أشرح له أني من مملكة البحرين، بالتأكيد لن يعرفها». ويضيف المواطن البحريني: «قلت له إني من البحرين وأعرف أنك لا تعرف أين هي.. فكانت المفاجأة والصدمة.. فقال له الرجل بالأنجليزية نعم أعرفها، كثير من الزبائن يأتون إلينا من البحرين»! فقال له الزبائن؟ أجاب الرجل؛ نعم الزبائن لأنهم يأتون إلى أحد البنوك هنا ويضعون أموالهم، أنتم بلد ثري..!! يقول المواطن، بلد ثري.. وزبائن..؟
ثم قال المواطن: بعد بحث واستقصاء لما قاله لي هذا الرجل وصلت إلى معلومة خطيرة، وهي أن هناك الكثير من البحرينيين يذهبون لتلك الجزيرة النائية ويضعون أموالهم في بنك هناك، وهذا المكان يعتبر آمناً لأموالهم، ولا أحد يسألهم من أين هذه الأمول، ولا يصل إليها القانون، وهي محمية بريطانية..!
المواطن يقول: أصبت بالصدمة، حتى هنا وصل البحرينيون، ويأتون ويقطعون كل هذه المسافات والتنقلات بين المطارات من أجل إيداع أموالهم في بنوك هذه الجزيرة؟
من الواضح أن من يفعل ذلك يكون قد (اقتبس) الأموال من مكان، أو أن لديه (غسالة كبيرة لغسيل الأموال) فيذهب إلى هناك ويودع أمواله هرباً من الرقابة والمحاسبة..!
طلعنا مشهورين كبلد صغير في المحيطات والجزر النائية، والله كرستوفر كولومبس ما يقدر عليكم، ويقولون إننا بلد ثري، لا حول ولا قوة إلا بالله، «عشان تعرفون وين تروح لفلوس»..؟