تقرير لجنة التحقيق البرلمانية الذي قدم لمجلس النواب في عام 2003 وضع اليد على كل الأسباب التي أدت وستؤدي إلى حدوث الإفلاس الإكتواري للهيئتين في ذلك الوقت، وهيئة التأمين الاجتماعي بعد اندماجها اليوم، ذلك أن ما كان ينطبق على هيئة التقاعد ينطبق على هيئة التأمينات، فالاثنتان تشرف عليهما الحكومة وتتدخل في إدارتهما وتوجيههما على الرغم من تأكيد القانون على استقلاليتهما، والاثنتان سيرت الحكومة استثماراتهما لخدمة مصالحها وبما أدى إلى إهدار عشرات الملايين من الدنانير من أموال هاتين الهيئتين، ومواصلة لاستعراض أو بالأحرى تذكر ما ورد في تقرير لجنة التحقيق المذكورة نشير إلى عامل التقاعد المبكر الذي لعب دوراً رئيساً في زيادة فرص إفلاس الهيئة اليوم، ونقل تقرير لجنة التحقيق ما جاء في المراجعة الإكتوارية التي قام بها الخبير الإكتواري عام 2000 والتي أوصت «بعدم تطبيق اقتراح التقاعد المبكر على المرأة العاملة في القطاع الحكومي لما له من آثار وانعكاسات سلبية على الوضع المالي للصندوق».
كما أشار الخبير الإكتواري أيضاً إلى «ارتفاع حالات التقاعد المبكر وتأثيره على ارتفاع المصروفات التأمينية بشكل ملحوظ حيث شجعت الامتيازات الحالية التي تمنح لمنتسبي القطاع العام على التقاعد المبكر، وعليه نوصي في هذه الجزئية برفع العمر بالنسبة للتقاعد المبكر إلى 50 سنة بل وحتى 55 سنة مع احتساب نسبة الخصم من المدة».
ومع أن هذا التحذير من المضي في تشجيع التقاعد المبكر قد صدر في عدة تقارير لاحقة للخبراء الإكتواريين، فإن الحكومة التي تدير الهيئة وتعين مجلس إدارتها عملت عكس تلك التوصيات والتحذيرات، فأوجدت برنامجاً للتقاعد المبكر به من الامتيازات والإغراءات التي تدفع الموظفة (المرأة) أولاً والموظف الرجل ثانياً إلى الخروج على التقاعد المبكر عند أقل من سن 45 سنة.
ولما رأت الحكومة أن هذه السياسة خاطئة ومن شأنها أن تؤدي إلى خسائر فادحة بأموال المؤمن عليهم (الاشتراكات) التي ستقل حتماً عن أموال الالتزامات التي تدفعها الهيئة للمؤمن عليهم عملت على تغطية خسائر الهيئة بإيجاد حسابين في الميزانية العامة للدولة أحدهما باسم (الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي) رصدت له في ميزانية 2009-2010 مبلغ 40 مليوناً و800 ألف دينار، وفي ميزانية 2011-2012 مبلغ 33 مليون دينار وارتفع هذا المبلغ في ميزانية 2013-2014 إلى 101 مليون دينار مما يدل على أن الإفلاس على وشك أو أنه حدث فعلاً، ذلك أن الوضع الطبيعي هو أن الهيئة تغطي مصروفاتها من دخلها.
أكثر من ذلك فقد أوجدت الحكومة في الميزانية حساباً داعماً ومشجعاً على التقاعد المبكر باسم (برنامج التقاعد المبكر) رصدت له في ميزانية 2009-2010 مبلغ 57 مليون دينار وفي ميزانية 2011-2012 مبلغ 28 مليون دينار وفي ميزانية 2013-2014 مبلغ 28 مليوناً أيضاً، وكانت النتيجة كما قالت ممثلة الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي إيمان المرباطي إن عدد المتقاعدين في الربع الأول من عام 2013 بلغ 3 آلاف متقاعد، وفي نفس الفترة من عام 2014 بلغ عددهم 1011 موظفاً متقاعداً وأرجعت أسباب تزايد عدد المتقاعدين إلى حجم الامتيازات المقدمة لهم.
بالطبع ليس هذا كل شيء، فهناك المزيد من الأسباب التي أدت إلى عجز أو إفلاس التأمين الاجتماعي نواصل التذكير بها غداً.