زيارات مكوكية من أوروبا والولايات المتحدة على مستويات رفيعة إلى عواصم دول مجلس التعاون الخليجي لبحث قضايا أمن المنطقة والتحديات الإقليمية تعقبها مؤتمرات صحافية لا تنتهي حتى باتت مادة غنية للفضائيات العربية والدولية، وكذلك وكالات الأنباء، والصحافة حول العالم.
هذا هو الظاهر الذي يمكن متابعته عبر وسائل الإعلام، لكن ما يقع خلف هذا المشهد أكثر تعقيداً، فهو باختصار تنافس أوروبي ـ أمريكي على النفوذ في الخليج العربي بعد الاهتزاز التاريخي للثقة الخليجية تجاه واشنطن، تقابله مساع خليجية للاعتماد السياسي على الذات بشكل جماعي لم يسبق أن شهدته منظومة مجلس التعاون الخليجي من قبل.
السياق الذي تعيشه المنطقة اليوم هل هو منافسة أوروبية، أم صراع ثلاثي؟
في منتصف الأسبوع الماضي ركزت الصحافة البريطانية على قضية مهمة وأثارت جدلاً واسعاً في لندن بالتزامن مع الانتخابات الأخيرة، عندما سلطت الصحف البريطانية الضوء على تنامي دور الدبلوماسية الفرنسية في الخليج العربي، والتنسيق الخليجي ـ الفرنسي المتزايد.
صحيفة التايمز نشرت مقالاً حمل عنوان «فرنسا تحل محل بريطانيا كأهم حليف أوروبي لدول الخليج» كتبه هيو طوملينسون قال فيه إن باريس «تحل سريعاً محل بريطانيا كأهم حليف أوروبي لدول الخليج بعد زيارة هامة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للمنطقة».
وتناولت الصحف البريطانية توقيع باريس صفقة دفاعية مع الدوحة بقيمة مليارات الدولارات قبل أن يشارك سيد الأليزيه في القمة الخليجية التشاورية في الرياض كأول رئيس أجنبي يشارك في أعمال هذه القمة. بشكل عام هناك شعور أوروبي بأن هناك دوراً فرنسياً مرتقباً قد يصل إلى درجة التحالف بين دول مجلس التعاون الخليجي مع باريس، وهو تحول في العلاقات الدولية يختلف عن التحالفات التقليدية السابقة التي كانت سائدة منذ القرن التاسع عشر وحتى بواكير القرن الحادي والعشرين بتحالف دول المنطقة مع بريطانيا أو الولايات المتحدة.
بالمقارنة، فإن باريس لم يكن لها هيمنة أو نفوذ سياسي كبير في الخليج العربي مقارنة بنفوذ لندن التي سيطرت على المنطقة لنحو 151 عاماً، أو حتى واشنطن التي هيمنت على المنطقة طوال 44 عاماً. ومع ذلك فإنه من السابق لأوانه الحديث عن نفوذ فرنسي مرتقب في الخليج خلال الفترة المقبلة في ظل وجود تنافس ثلاثي بين باريس التي تتطلع لدور أكبر والاستفادة من أي تفاهمات أو تحالفات محتملة، وبين لندن التي تتطلع لتعظيم مكاسبها من دول المنطقة باعتبارها صاحبة علاقات تاريخية مازالت قائمة على كافة الصعد، وبين واشنطن التي تتطلع للحفاظ على ما خسرته من نفوذ في المنطقة خلال السنوات الأربع الماضية.
التحولات الإقليمية في المنطقة متسارعة للغاية، ومن الصعوبة بمكان حسم مساراتها الآن، ولكن من الواضح أن المصالح والمرونة في المواقف السياسية هي التي ستحسم علاقات دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة المقبلة على الصعيد الخارجي. وما يدفع للقول بذلك وجود طموح خليجي بضرورة وضع حد لأي نفوذ خارجي قد يتعارض مع مصالح وأمن هذه الدول، فدروس التاريخ القاسية علمت دول الخليج الكثير، وانتهى زمن المجاملات السياسية.