ما لم يقله الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في الرياض، سواء في تصريحاته أو من خلال البيان الخليجي- الفرنسي الذي صدر على هامش القمة التشاورية لقادة دول مجلس التعاون، هو أن باريس التي ستعزز حضورها في المنطقة عبر «شراكة مميزة» مع هذه الدول، لن تكون بديلاً لواشنطن المنكفئة عن مناطق الأزمات. صحيح أن اجتماع هولاند مع القادة الخليجيين في الرياض، يسبق القمة الأمريكية- الخليجية في واشنطن وكامب ديفيد، لكنه لم يعرض مظلة أمنية فرنسية، أو حماية صاروخية، مماثلة للمشروع الأمريكي الذي يتردد أنه أقصى ما يطمح إليه الرئيس باراك أوباما لطمأنة الدول الحليفة في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي مع إيران. كان واضحاً أن فرنسا بدت أكثر تشدداً من الأمريكيين خلال مفاوضات مجموعة 5+1 مع طهران لطي الملف النووي، وما قاله هولاند في الرياض رسالة موجهة إلى القيادة الإيرانية، فحواها «نصيحة» بأن تقلع عن نهج تخويف الجيران لإخضاع مناطق نفوذ لها، وعن زعزعة استقرار المنطقة... وفحواها، خصوصاً أن انتعاش الخزانة الإيرانية في مرحلة ما بعد رفع العقوبات، قد يغري طهران بمزيد من المغامرات، وأن باريس لن تتفرج، ولو صمتت واشنطن. يستجيب الموقف الفرنسي- «النصيحة»، قلقاً مبرراً لدى دول مجلس التعاون، تغذيه إشارات «غزل» تراكمت بين واشنطن والقيادة الإيرانية التي لوحت علناً بجزرة أسواق إيران للشركات الأمريكية، منذ ما قبل إعلان الاتفاق الإطار مع مجموعة 5+1. وقد يكون واحداً لوجوه فرادة الموقف الفرنسي في الخليج ومن الأزمات التي لإيران أصابع أو ضلوع بها، أن مجلس التعاون اختبر إدارة الرئيس باراك أوباما مرات، منذ الشرارات الأولى لما سمي «الربيع العربي»، وأن الإدارة ذاتها لم تعالج بجدية الشكوك الخليجية فيما سعت إليه عبر سياسات التريث والتفرج. ينطبق ذلك على الموقف الأمريكي من نظام بشار الأسد، والتلكؤ في تسليح المعارضة السورية، واللامبالاة حيال اندفاعة الحوثيين في اليمن، خلال مرحلتها الأولى على الأقل، مثلما ينطبق على الهواجس التي زرعها تسليم واشنطن العراق لطهران، لمجرد ضمان انسحاب آمن للجنود الأمريكيين من بلاد الرافدين. وإذا كان ما قيل عن أزمة ثقة بين عواصم خليجية وإدارة أوباما، يتضمن شيئاً من المبالغة، يتبدل الأمر حين يذكر الجميع موقف البيت الأبيض من إرسال مجلس التعاون قوات من «درع الجزيرة» إلى البحرين. وقبل اضطرابات البحرين التي غذتها حملات إيرانية تدعي الحرص على حقوق الشيعة هناك، كانت تجربة بيروت وتفرج واشنطن على نشر «حزب الله» مسلحيه في شوارع العاصمة اللبنانية. من بيروت إلى دمشق وبغداد وصنعاء، هل يمكن طهران اليوم أن تدعي أنها لم تتدخل ولا تتدخل لتغيير معادلات وكيانات، مستغلة «حرصها» على حقوق طائفة هي أولاً وأخيراً عربية؟ السؤال الأهم هو إن كانت دول الخليج، بعد كل الذي حصل، وتغليب واشنطن أولوية مطاردة «القاعدة» وتغاضيها عن الضجيج الإيراني، على مصير دول ومجتمعات، قادرة على الاطمئنان إلى أي وعد من أوباما وإدارته؟ طعنة الروس لإرادة الشعب السوري، وتمديدهم الكارثة الإنسانية في سورية، كانا أيضاً وراء خيبة خليجية. وبين جشع موسكو والرقص الأمريكي الأعمى حول مشاهد الخراب والقتل اليومي في المنطقة يمكن فرنسا أن تنتزع دوراً مغايراً، على الأقل ريثما تنتهي حقبة المغامرات الروسية – الإيرانية والالتباسات الأمريكية التي باتت ساطعة. لكن الأهم، أن دول الخليج انتزعت فرصة اللحظة الحاسمة، حين لم يعد هناك أي مجال للشك في الرغبات الإمبراطورية الإيرانية، ومساعي طهران للنفخ في مزيد من الحرائق.... في المنطقة العربية. وإن كان السؤال التقليدي أي رسالة سيبلغها الرئيس الأمريكي لقادة الخليج في قمة البيت الأبيض وكامب ديفيد، ألا يصح ترقب رسالتهم؟