المبدعون، الكتاب، الشعراء، المخرجون، الممثلون، الفنانون التشكيليون، الملحنون في عالمنا كثير ما يعودون أنهم خلقوا أنفسهم بأنفسهم، ووصلوا إلى القمة بجهودهم وتعبهم واستمراريتهم متجاهلين تعب الآخرين.
هذه أكذوبة كبيرة يقولونها لأنفسهم ويصدقونها، وتستمر مع البعض حتى آخر حياتهم، مبعدين الظروف والأشخاص الذين أوصلوهم إلى مناطق ما كان لهم أن يصلوها لولا هذه المساعدات أو المساحات التي عملت على إيصالهم إلى ما هم عليه الآن.
وبدل الحديث عن الآخرين؛ أضع تجربتي الخاصة على المحك وأطرحها أمام الجميع، لكي يعرفوا أني لست وحدي صاحب الفضل في تجربتي، إنما هناك العديد من الأشخاص الذين عملوا على إيصالي ونشر تجربتي على الناس في بلدي وفي باقي بلدان العالم.
في الصف الثاني إعدادي كانت تجارب أولية، مستفيداً فيها من تجارب شعراء آخرين من الذين نقرأ لهم ونحفظ قصائدهم في المنهج المدرسي، مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهما من الشعراء مثل نزار قباني، والذي أثر في حياتنا وأفكارنا، مثل تجربته قصيدة "خبز وحشيش وقمر".
في الصف الثاني قام زميلي عبدالحميد خنجي، وكنا معاً على نفس المقعد وقال لمدرس اللغة العربية إن علي الشرقاوي يكتب الشعر، فطلب مني المدرس، وهو شاعر وروائي من الأردن الشقيق، أن أقرأ ما كتبت، ولاحظ الكثير من الكسور فيما قلت، فقال احفظ التالي وأكتب على منواله..
عجبٌ عجـــبٌ عجـــبٌ عجـــبُ
قــــطٌ أســــود ولـــه ذنـــبُ
ومنذ تلك الفترة لم أنسَ ما قاله، رغم مرور أكثر من نصف قرن.
إن خالد المحادين أدخلني إلى مرحلة الوقوف أمام الآخرين، وأنا المتردد في الظهور.
بعد أن كبرت، في عام 1967م، قمت بإرسال قصائدي، أو ما أسميه قصائد، إلى مجلة الطليعة الكويتية، التي تمثل منبر حركة القوميين العرب، فنشرت منها قصيدتان في باب "تحية وبعد"، وهو باب مساهمات القراء، بمعنى أنني حصلت على مساحة للقول.
بعد ذهابي للدراسة في نهاية عام 1968مـ أرسلت قصائد إلى جريدة الأضواء ونشرت منها أكثر من قصيدة في باب القراء، يعني أنني حصلت على مساحة من الأضواء، وكانت المساحة الأجمل، وهي نشر قصيدة من قصائدي الأولى وهي قصيدة "عاشق الفجر" في مجلة هنا البحرين، والتي كان يشرف عليها في تلك الفترة الناقد حسين الصباغ، أي أن حسين الصباغ عمل على فتح مساحة أكبر أمامي للانطلاق ونشر قصيدتي على صفحتين متقابلتين، وقام بتقديمي إلى الساحة الشعرية كصوت شعري شاب يحمل شيئاً من الاختلاف عن تجربة الشعراء الآخرين كعلي عبدالله خليفة وقاسم حداد وعلوي الهاشمي.
وما كان لتجربتي في الكلمة المغناة أن تنطلق إلى هذه المساحة؛ لولا ألحان خالد الشيخ المتميزة، التي ساهمت في إيصالها إلى عدد كبير من الجمهور.
ما أريد أن أقوله أنه هناك دائماً مساحات وأشخاص يعملون على فتح المجال أمامك، فما كان لي أن أكتب كلمات أغاني الأعمال التلفزيونية "غناوي بو تعب"، من ألحان الفنان يعقوب يوسف و"البيت العود" و"فرجان لول" و"حزاوي الدار" من ألحان الفنان مبارك نجم، لولا وجود المخرج المتميز أحمد المقلة، وأيضاً التلفزيون والراحل الأستاذ طارق المؤيد، الذي عمل على إنتاج هذه الأعمال ووضع لها ميزانية لكي تخرج بالصورة الجيدة.
أيضاً ما كان للمواويل "بر وبحر" و"لولو ومحار" أن تخرج إلى النور إلا من خلال جريدة أخبار الخليج، التي نشرتها ومدير تحريرها الراحل أحمد عبدالغني، وبالتالي نشرت اسمي وبشكل يومي.
وما كان لي أن أصل إلى باريس وبرلين والعديد من المهرجانات العالمية والعربية إلا من خلال أشخاص، قد أعرفهم وقد لا أعرفهم، اقترحوا اسمي للمشاركة في مثل هذه الفعاليات.
من هنا أقول إن على المبدع في أي مجال من المجالات ألا يتصور أن إبداعه وشهرته هي من أوصلته إلى أن يكون ما هو عليه الآن.
هناك أشخاص وظروف ومساحات ساهموا في هذا الفعل.